نص الخطبة
عندما يحتدم الصراع بين الهدى والضلال وبين الحق والباطل وبين المشروع الالهي والمشروع الشيطاني الاستكباري كما في كربلاء بين الحسين ويزيد حيث الحق مع مع الحسين، فانه لا خيار امام الانسان سوى ان يلتزم موقف الحق وينتصر له ويرفض الباطل ويقف في مواجهته، اما اعتماد خيار الحياد والسلامة والوقوف على التل بحيث لا يكون لا مع الحقّ ولا مع الباطل، أي لا مع هذا ولا مع ذاك فهو خذلان للحق وتقوية للباطل
وقد وقف البعض في كربلاء هذا الموقف المتخاذل كالكثير من الشخصيات التي راسلت الحسين ان اقدم يا بن بنت رسول الله فان لك في الكوفة جند مجندة ثم خذلوه ووقفوا على الحياد، فهم وان لم ينصروا الباطل لكنهم خذلوا الحق الذي يمثله الحسين ، ونفس الموقف حصل أثناء الحرب بين عليّ(ع) ومعاوية في صفّين، حيث ان البعض من امثال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقّاص وغيرهما وقفوا على الحياد ولم يشاركوا مع علي في القتال، فقال عنهم(ع) كلمته المشهورة: ” خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل”.
والسبب ليس التباس الحق بالباطل وعدم وضوح الرؤية لديهم، فهم يعرفون الحقّ، ويعرفون الباطل، ويعرفون أنَّ الحقَّ مع عليّ(ع)، لأنَّ “عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي، يدور معه حيثما دار ويعرفون الحسين ومكانته ومنزلته في الاسلام والامة ويعرفون يزيد وفسقه وفجوره، ولكنهم تهربوا من المسؤولية وجبنوا عن الجهاد والقتال وآثروا السلامة والعافية واحبوا البقاء والحياة.
عندما يكون الصراع بين حق وباطل لا يمكن ان يفكر الانسان بطريقة أنانية ويعتبر نفسه غير معني بالانتصار للحق، ويقول: المهم ان اسلم انا! واكون في آمان! وليحدث ما يحدث للوطن او للقضية او للامة! او يقول: المهمّ أن احافظ على عيالي واولادي واهتم بحياتهم ومستقبلهم ، ولا مشكلة إن خربت الدّنيا أو عمرت، أو اعتدت اسرائيل وقتلت واحتلت او لا ؟ انهزم المسلمون أو انتصروا، ونحن نسمع البعض في لبنان وغير لبنان كيف يتحدَّثون عن القضية الفلسطينيَّة، وانه ما لنا ولفلسطين فليقاتل الفلسطينيون ويحرروا ارضهم؟ او البعض يفكر بطريقة مذهبية ويقول عن فلسطين بأنها قضية السنة فليقاتل السنة دفاعا عنها ، وعن القضية العراقيَّة والإيرانيّة بأنها مسألة شيعيَّة فليقاتل الشيعة دفاعا عنها؟! وقد يقول البعض: دعوا الصهاينة يستمرون في احتلال فلسطين، يمعنون في قتل الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيّون سنَّة، ودعوا داعش تدمر العراق وتقتل الشعب العراقي ، لأنَّهم شّيعة، ودعوا اميركا تحاصرايران وتفرض عليها عقوبات لانها شيعية او فارسية.
هذا النوع من التفكير والفهم هو الذي يجعل الناس تتخلى عن مسؤولياتها وتقف على الحياد وتتخاذل امام قضايا الحق.
عندما يدور الامر بين الحق الواضح والباطل الواضح فان الحياد خيانـة والحياديّون خونة، يخونون الاسلام لأنهم يضعفونه، ويخونون القضية والوطن والأمَّة لأنهم يضعفونها. والأكثريَّة الصَّامتة التي تستطيع أن تنطق بالحق وان تنصر للحق ولا تفعل هي خائنة لان الانتصار للحق هي مسؤوليَّة الجميع لا يجوز التراخي فيها او التخلف عنها .
نعم يمكن ان يقف الانسان موقف الحياد عندما يكون الصراع بين باطلين متنازعين على السلطة والزعامة والمغانم والمكاسب السياسية والاقتصادية وغيرها كما هو الحال في الكثير من النزاعات والصراعات التي تدور في العالم بين الانظمة المستكبرة حيث ان الصراع فيها لا يقوم على المبادىء والحق واقامة العدل.
فإذا تصارع أهل الباطل ، فيمكن ان تقف على الحياد ولا تقوى طرفا على طرف وكذلك عندما يكون الصراع ملتبسا لا يعرف فيه الحقّ من الباطل، بحيث تشتبه الأمور إلى درجة الالتباس الشَّديد، بحيث يفقد الانسان وضوح الرّؤية، فلا يعرف من مع الحق ومن مع الباطل فقد يكون أحدهما على الحقّ والآخر على الباطل، وقد يكونان معاً على الباطل، ففي مثل هذه الحالة لا تدع أحداً يستغلّك ليستميلك الى موقفه او ليصل من خلالك الى هدفه بل كن في الفتنة كما قال علي كابن اللّبون الَّذي هو فصيل النّاقة لا ظهر فيركب اي ليس لديه ظهر قوي بحيث يصلح للركوب، ولا ضرع فيحلب اي ليس لديه ضرع يعطي الحليب.
اما عندما يكون الحق واضحا والباطل واضحا كما في المقاومة فالحياد خيانة ولا يمكن لاحد ان يبرر حياديته بانه عاجز او ضعيف او لا يملك الامكانات الكافية او انه ينتظر الاجماع على المعركة، او ينتظر قيام تحالفات عربية او اسلامية او او، فرسول الله كان وحده عندما أرسله الله سبحانه وتعالى، ولم يكن معه سوى عليّ وخديجة(ع): ولم يجمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه(ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا. ومع ذلك وقف (ص) أمام كلِّ القوى المشركة والمعادية التي كانت تحاول ان تسقط رسالته.
كما لا يمكن ان يبرر الانسان تخاذله وحياديته بانه هو مع الناس ويلتزم موقف الناس ورأيه كرأي الناس يمشي معهم اذا مشوا ويقف اذا وقفوا؟! فعن الإمام الكاظم(ع) قال: “أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمَّعة”، قالوا: وما الإمَّعة؟ قال(ع): ” لا تقل أنا مع النَّاس، وأنا كواحدٍ من النّاس، فإنَّ رسول الله(ص) قال: إنَّما هما نجدان؛ نجد خير، ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشّرّ أحبَّ إليكم من نجد الخير” ليكن خياركم هو السَّير في طريق الخي والعدل والحق.
ففي حديث “السَّاكت عن الحقّ شيطان أخرس”. فالاخرس هو الَّذي يسكت عن الحقّ وهو قادر على أن يقول كلمة الحقّ، ويخذل الحق وهو قادر على نصره.
الحياد والتخاذل اليوم وايجاد المبررات له قد يدفع الى موقف متخاذل حتى عندما يخرج الامام المهدي(عج) ولذلك جاء في بعض الاحاديث ان البعض عندما يخرج الامام يقول له : يا بن فاطمة إرجع لا حاجة لنا فيك.
التخاذل ايضا والشعور بالضَّعف والجبن والعجز عن المقاومة والمواجهة يجعل الاعداء حتى لو كانوا قلة يطمعون في النيل منا ويتغلبون علينا ويسيطرون علينا وعلى بلداننا سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا.
ولذلك يقول الامام علي(ع): “أيّها النَّاس، لو لم تتخاذلوا عن نصرة الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم”.
فنحن عندما نكون حياديّين في معركة الحقّ والباطل، فإنَّنا نعطي الباطل قوَّة سلبيَّة، ونمنع عن الحقّ القوّة الإيجابيَّة، وبذلك يختلّ توازن المعركة، فتصبح الكثرة كثرةً لا قيمة لها، “ولكنَّكم غثاء كغثاء السَّيل”، كما يقول النبي الاعظم (ص) لان الكثرة عندما تتحول الى غثاء يجرفها السيل تتلاشى وتنهار وتضيع ولا تقوى على شيء .
الصهاينة كانوا قلة بالقياس الى عدد العرب والمسلمين وامكاناتهم، لكنهم احتلوا فلسطين وانتصروا على العرب، لأنَّ الاغلبية كانت متخاذلة ووقفت تتفرج على الصراع، والَّذين حاربوا الصهاينة كانوا القلة اما البقية فحاربوا بالهتافات والشِّعارات، وجبنوا عن المواجهة وتخلوا عن مسؤولياتهم في نصرة القضية الفلسطينية فخذلوا القضية وبعضهم اختارالتطبيع مع العدو .
لكن المقاومة في لبنان وفلسطين ومحور المقاومة في المنطقة وبيئة المقاومة ومجتمع المقاومة في المنطقة كان لهم موقف اخر، لقد اثبتت بيئة المقاومة بأغلبيتها في لبنان وعلى امتداد مراحل الصراع مع العدو الصهيوني ولاحقا مع التكفيريين انها بيئة تلتزم قضايا الحق ونصرة الحق ولا تقف على الحياد بل تتحمل مسؤولياتها وتمتلك روح الايمان والجهاد وقد دفعت بابنائها وفلذات اكبادها نحو المقاومة والشهادة ولم نرى منها ومن هذا المجتمع المقاوم والوفي ومن عوائل الشهداء والجرحى والاسرى بالرغم من كل الظروف الصعبة والمعاناة والالام الا الصبر والثبات والوعي والبصيرة والتضحية والاستعداد لتقديم المزيد على طريق الحق ومن اجل هذا الوطن وأهله وشعبه.
هذه البيئة وهذه المقاومة التي قدمت أغلى التضحيات من اجل لبنان لا تكافأ بالتحريض والاحقاد والتشويه والاتهام ولا بنعتها بصفات زائفة لا تنطبق الا على مطلقيها.
هناك من يصرّ على اتهام حزب الله والتحريض عليه بهدف التشويه وتضليل الرأي العام وتوتير المناخ الطائفي في البلد وتخويف اللبنانيين من بعضهم”.
هذه المناخات لا يستفيد منها أحد، وهي بالتأكيد ضدّ مصلحة لبنان واللبنانيين، ولا تُساعد على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بدلًا من التلهي بطروحات التقسيم والفدرلة وهي طروحات مرفوضة وغير قابلة للتحقّق، فلنُفتّش عن القواسم المشتركة التي تجمع بين اللبنانيين وتحافظ على وحدتهم الوطنية وعيشهم المشترك وتحمي بلدهم من التهديدات والأخطار”.
“حزب الله كان ولا زال يدعو للوحدة والشراكة والعيش المشترك والتفاهم بين اللبنانيين، ويمد يده لكل الشركاء في الوطن للتفاهم والتعاون من إخراج البلد من الأزمات التي يعاني منها”،
وندعو الى عدم الرهان على الخارج او الاستقواء به، لان الخارج لا يستطيع ان يفرض على اللبنانيين ما لا يريدونه، فالحل اولا واخيرا هو بيد اللبنانيين، فإذا اعتمدنا على أنفسنا وتحاورنا وتفاهمنا فإننا قادرون على الوصول الى الحل المطلوب والخروج من الانسداد الرئاسي القائم.
المصدر: موقع المنار