في ظل إحياء مراسم ذكرى عاشوراء في الايام العشر الوائل من شهر محرم الحرام، ينهل العالم الاسلامي والأحرار في العالم من معين هذه المدرسة المحمدية العلوية في اكبر فعاليات تبليغية وتثقيفة في العالم على مدار العام، حيث نجد الكثير من القيم والمبادئ الخالدة التي رسمها الامام الحسين(ع) وآل بيته وأصحابه في عام 61 للهجرة سواء يوم العاشر من المحرم او ما سبقه او ما تلاه من أحداث.
ومن المسائل اللافتة والتي تعتبر مدرسة للعالم على مدى التاريخ ان في كربلاء لم يوفر القائد نفسه وأولاده وأخوته وأهل بيته مقابل الافتداء بالآخرين من الانصار والاصحاب، فعلى الرغم من القيمة الكبيرة لهؤلاء الاصحاب لدى الامام الحسين(ع) إلا انه لم يقدمهم فقط للاستشهاد دون اولاده وآل بيته، بل أنه ضحى بأولاده وأولاد إخوته وأخوته أيضا كما ضحى بنفسه في سبيل الله والقضية التي خرج من أجلها بالثورة على الفساد والظلم طلبا للإصلاح في أمة ودين جده الرسول محمد بن عبد الله(ص).
وبإسقاط هذه القيمة الهامة على واقعنا الحالي والحالة الثورية التي تشكلها المقاومة الاسلامية في عالمنا الحاضر، نجد تجليات هذه المسألة مع قيادة المقاومة التي لم تبحث عن منافع ومصالح لها ولأبناء قيادتها، فمثلا نجد القيادات الشهداء دون أي تمييز مع غيرهم من الشهداء المجاهدين، فسيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي قضى واستشهد في العام 1992 وهو في أعلى منصب في حزب الله حيث كان يشغل منصب الامين العام لحزب الله، واستشهد معه زوجته وابنه الصغير حسين، في مشهد يمثل قمة التضحية بالنفس والعائلة، كما ان المقاومة سبق ان قدمت في العام 1984 شيخ شهدائها الشيخ راغب حرب الذي اغتاله العدو الاسرائيلي لدوره التأسيسي المقاومة ودوره في التوعية والاستنهاض الشعبي ضد الاحتلال.
ومن تجليات تضيحة القائد بالانفس، استشهاد القائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنية(الحاج رضوان) في العام 2008 ومن استشهاد نجله الشهيد جهاد الذي قضى بغارة صهيونية على مجموعة للمقاومة في سوريا، علما انه سبق القائد مغنية للاستشهاد أخويه فؤاد وجهاد على أيدي الصهاينة وعملائهم.
ومن تجليات تضحية القادة وعدم إدخار عوائلهم وأولادهم، استشهاد الشهيد هادي نصر الله نجل الأمين العام الحالي لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي قضى في معركة بطولية في العام 1997 في منطقة الجبل الرفيع بإقليم التفاح جنوب لبنان.
كل هذه المصاديق الحية لمدرسة كربلاء وقيمها الخالدة تتكرس عبر سلسلة طويلة من استشهاد القيادات في المقاومة للتأكيد ان القادة في مقدمة قادة المضحين والشهداء، وعلى رأس هؤلاء القائد الجهادي الشهيد السيد مصطفى بدر الدين(السيد ذوالفقار) الذي استشهد في سوريا في العام 2016 خلال قيامه بواجبه الجهادي، بالاضافة الى عدد غير قليل من القادة العسكريين والامنيين الذين استشهدوا في مواقعهم المختلفة.
ليبقى السؤال الموجه للصديق والعدو هل مقاومة لديها هذا النوع من الاشخاص والقادة وأولادهم وعوائلهم من المضحين والمستشهدين يمكن لأحد هزيمتها وهل يمكن النيل من عزمها؟ فمن يحمل هذا الفكر الراقي من مدرسة الامام الحسين(ع) لا يمكن إلا ان يكون النصر حليفه، وما يمكن ان يوضح بعضها من عظمة وقيمة فكر هذه المقاومة وإخلاصها هو ما قاله السيد نصر الله يوم استشهاد نجله هادي: “إنني أحمد الله تعالى على عظيم نعمه، بأن تطلّع ونظر نظرة كريمة إلى عائلتي واختار منها شهيدا وقبلني وعائلتي أعضاء في الركب المقدس لعوائل الشهداء الذين كنت حين أزورهم أخجل من أب الشهيد وأم الشهيد وزوجة الشهيد وأطفال الشهيد وسوف أبقى أخجل من هؤلاء.. الحمد لله الذي قبل ان تكون عائلتي مواسية لعوائل الشهداء ليس فقط في الشهادة وإنما أيضا في احتجاز جسد الشهيد”.
المصدر: موقع المنار