انتظار وترقب لعودة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، الذي قد يأتي الأسبوع المقبل حاملًا في جعبته ما رشح من مقررات الاجتماع الخماسي في قطر الأسبوع الماضي، لا سيما التلويح بإجراءات ضدّ الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا الملف.
القطريون سبقوا لودريان الى بيروت
أوساط سياسية كشفت لصحيفة الأخبار أن “المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان سيصل إلى بيروت الثلاثاء أو الأربعاء المقبل من دون معرفة ما الذي يحمله من معطيات”. وكشفت المصادر أن “القطريين سبقوا لودريان إلى بيروت، وبدأوا حراكاً موازياً، لكن مع هامش أكبر من الحراك الفرنسي”، مشيرة إلى أن “مسؤولين قطريين التقوا ببعض القوى السياسية من بينها نواب الاعتدال ومع مسؤولين من الثنائي”.
وأكّد أكثر من مصدر أن “القطريين نقلوا تقديراتهم بانتهاء المبادرة الفرنسية بعدَ الاجتماع الخماسي، وأن موضوع الحوار هو فكرة فرنسية، قد يحصل الحوار برعاية فرنسية لكن لا غطاء غربياً أو دولياً له”. وكان لافتاً أن “القطريين لم ينقلوا جواً واحداً، فهم تناولوا اسم قائد الجيش جوزف عون مع بعض من التقوهم، وبحثوا معهم إمكانية وصوله إلى بعبدا وما إذا كانت المرحلة تسمح بتسويقه. لكنهم عمدوا مع قوى أخرى إلى نفي وجود مرشح للخماسية، مؤكدين أنهم لن يكرروا خطأ الفرنسيين في طرح الأسماء وحرقها”.
واعتبرت مصادر مطّلعة أن “ما يقوم به القطريون حالياً يؤكد أن ثمة قراراً خارجياً بتقويض الدور الفرنسي وضرب مبادرة باريس، واستبدال الأخيرة بالدوحة. وستتبيّن في المرحلة المقبلة حقيقة الدور الموكل إليها”.
تصعيد مستجدّ
التصعيد المستجدّ في الملف الرئاسي اللبناني لا ينفصل عن المناخات الخارجية التي سادت في المرحلة الأخيرة والمعاكسة لأجواء التقارب والتصالح بين القوى الإقليمية، خصوصاً تلك المؤثّرة في المشهد اللبناني، وفي هذا السياق تقول المصادر للأخبار إنّ “التصعيد الأخير الذي حمله بيان الخماسية الدولية، وأيضاً بيان البرلمان الأوروبي، يأتي في السياق الأميركي المتشدّد ذاته”. وعليه، ترى المصادر أنّ “تحييد المسعى الفرنسي، وتقدّم الرؤية الأميركية للرئاسة اللبنانية، ومعها الرغبة السعودية، كلّ ذلك يمكن اعتباره محاولة جديدة للاستفادة من هذه المناخات لحلّ المعضلة الرئاسية على نحو يعطي للطرف المناوئ لحزب الله في لبنان انتصاراً رئاسياً يستكمل المشهد الذي لم يكتمل في الانتحابات النيابية الأخيرة”، وهذا “يُفسّر مسارعة القوات اللبنانية إلى رفض الحوار الداخلي ومجاهرة رئيسها سمير جعجع بأنّ الهدف هو هزيمة حزب الله في هذا الملف، الذي تمّ حصر الأحقية في البتّ فيه بالأطراف المسيحية وتصويره على أنه استحقاق مسيحي بالدرجة الأولى”.
وحذّرت المصادر من أنّ “الخطأ الذي قد ترتكبه أطراف الخُماسية هو إذا ما اعتقدت أنّ الموقف الداخلي الرافض للحلول المفروضة رغماً عن رؤيته، ضعيف أو قاصر، فالتجارب، خصوصاً الرئاسية منها، تقول إنّ الداخل هو الحجرُ الأساسُ في الانفراجات أو التسويات الخارجية، وإنّ تجاوز فريق داخلي لن يؤدي إلى حلّ، حتى لو كان هذا الحلّ مدعوماً أميركياً أو سعودياً”. ولفتت المصادر إلى أن “هذا لا يعني أن الفريق الداعم لسليمان فرنجية لديه مشكلة مع قائد الجيش، لكن عدم وجود مشكلة مع العماد عون لا يعني أن يكون رئيساً للجمهورية”.
لودريان يصل بيروت مطلع الأسبوع المقبل
مصادر “البناء” إلى أن لودريان يصل بيروت مطلع الأسبوع المقبل لنقل نتائج اجتماع اللقاء الخماسي في باريس الى المسؤولين اللبنانيين، علماً أن لودريان أجرى سلسلة مشاورات خلال جولته على قطر والسعودية. وقبيل انتقاله الى بيروت أطلع لودريان الرئيس ايمانويل ماكرون ووزيرة الخارجية كاترين كولونا على حصيلة مشاوراته، وآلية العمل المفترض اتباعها لمحاولة حل أزمة لبنان.
وعلمت “البناء” أن المبادرة الفرنسية لم تسقط بل تعرّضت لنكسة وسيجري لودريان تعديلات عليها ويضيف إليها اقتراحات جديدة من ضمنها خيار الوزير السابق سليمان فرنجية وخيار المرشح الثالث ومرشحون آخرون محتملون يمكن أن يشكلوا نقطة تلاقٍ بين الأطراف كافة.
وإذ رأت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن بيان اللقاء الخماسي كان محاولة التفافية على المبادرة الفرنسية لجس نبض الأطراف بخيار المرشح الثالث تحت ضغط التهديد ومزيد من الحصار واستحضار عناوين التصعيد والحرب مثل تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسلاح المقاومة والتلويح بفرض عقوبات جديدة على جهات سياسية معينة دون غيرها، والتهديد بتمديد الحصار الاقتصادي والمالي وضرب الأمن الداخلي.
هل سيعود لودريان؟
مصادر متابعة لمهمّة لودريان تقول لـ”الجمهورية”، إن “لا شيء مؤكّداً حتى الآن، فالموفد الفرنسي يفترض ان يعود الى بيروت في 24 تموز الجاري، (اي بعد يومين)، ولا نستطيع ان نؤكّد انّ هذا الموعد ثابت، ذلك انّ لودريان عدّل برنامجه بعد مشاركته في اجتماع الخماسية، الذي لم يكن أعضاؤها على قرار وموقف واحد من الملف الرئاسي، وقررّ ان يقوم بجولة اتصالات مباشرة مع كلّ طرف من اطراف الخماسية على حدة، لعلّه يتمكن من بناء ما سمّاه تصوّراً لحل ما، يأتي به الى لبنان، وخصوصاً انّ الحوار اللبناني حول رئاسة الجمهورية، الذي قال انّه سيطلقه في زيارته الثانية، بات فكرة ضعيفة جداً، لعدم جدواه بين أطراف حسمت مواقفها سلفاً برفض الحوار وعدم التوافق”.
أيّ حوار منتظر؟
وفي الموضوع نفسه، قالت مصادر سياسية لـ”الجمهورية”: “قبل السؤال عن اطلاق الحوار، ينبغي السؤال عمّن يريد الحوار الآن، بالتأكيد أن لا احد يريده، لا ثنائياً ولا جامعاً، اوّلاً لعقم السياسة في لبنان، وثانياً لأنّه لن يؤدي إلى أيّ نتيجة، وبالتالي فكرة الحوار ساقطة سلفاً، وتبعاً لذلك من المستبعد ان يكون لودريان قادراً على اطلاق او إنضاح حوار لبناني، ليست العقدة فقط انّ الداخل اللبناني متهرّب من هذا الحوار، بل انّ الخماسية نفسها لا يبدو انّها مشجعة لهذا الحوار او متحمّسة له، والدليل واضح للعيان في بيانها الاخير الذي لم يلحظ اي اشارة من قريب او بعيد الى هذا الحوار”.
في هذه الحالة يبرز السؤال التالي: على ايّ أساس ستقوم مهمّة لودريان في زيارته الثانية؟ تجيب المصادر السياسية عينها: “الموفد الرئاسي الفرنسي مكلّف بمهمّة ايجاد مخرج للاستحقاق الرئاسي في لبنان، وإن حضر في زيارة ثانية الى بيروت، فجعبته قد تكون خالية من اي طروحات من شأنها ان تؤدي الى اختراقات نوعية في جدار الأزمة، وتبعاً لذلك فإّن هذه الزيارة قد لا تكون اكثر من زيارة إثبات وجود، للتأكيد على انّ فرنسا مستمرة في السعي الى حل في لبنان لا أكثر ولا أقل، وبالتالي حصول هذه الزيارة او عدمه واحد لا يبدّل في الواقع اللبناني شيئاً”.
أين تكمن العقدة؟
تؤكّد مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”، انّ مكمن العقدة الرئاسية هو نفسه منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، الأولى في الداخل يعبّر عنها الانقسام الحاد بين المكونات السياسية، الذي يستحيل معه التوافق على رئيس للجمهورية، والثانية في الخارج، وتتبدّى في مقاربات مختلفة، وخصوصاً بين دول “الخماسية”، حيث تتوزّع هذه المقاربات كما يلي:
اولاً، الولايات المتحدة الاميركية، قلباً وقالباً مع وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية، ويدعون إلى إتمام ذلك بصورة عاجلة، إلّا انّهم لا يقومون بأي خطوات عملية او دافعة في هذا الاتجاه.
ثانياً، القطريّون يشدّون بصورة علنيّة في اتجاه قائد الجيش، ويتناغمون في ذلك مع الأميركيين والمصريين، ويعتبرون انّ اي مسعى للحل، ينبغي ان يصبّ في هذا الهدف.
ثالثاً، المصريّون، منحازون من الأساس الى قائد الجيش، ولديهم مقولة تفيد بأنّ في الحلبة الرئاسية مرشحين جدّيين هما سليمان فرنجية والعماد جوزف عون. ومهمّة السياسيين في لبنان ان يتوافقوا على اي منهما، او بمعنى أدق على الشخصية التي تتمتع بالمستوى الأدنى من المعارضة المسيحية عليها، فإن تمكنوا من التوافق على فرنجية فليكن، وإن لم يتمكنوا من ذلك فقائد الجيش هو الخيار الموجود. وينطلق المصريون في هذا الطرح ما يعتبرونها صعوبة التوافق الداخلي على فرنجية.
رابعاً، السعوديون منخرطون في العنوان العريض للحراك الدولي الذي يؤكّد على إتمام الاستحقاقات الدستورية في لبنان بصورة عاجلة، انما في ما خصّ الترشيحات، فهو منكفئ الى الخطوظ الخلفية، بحيث انّه لا يتبنّى ترشيح أحد.
خامساً، الفرنسيون، مع خماسية او من دون خماسية، فهم ماضون في مساعيهم حتى بلوغ نقطة انفراج في الملف اللبناني، ولا يبدو انّهم في وارد الانكفاء عن الملف اللبناني، الذي كثفوا فيه حضورهم منذ ما بعد انفجار مرفأ بيروت، ثم انّهم ما كانوا ليطرحوا “معادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة”، كعنوان للدعم الفرنسي لوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، لو لم يحصلوا على موافقة مسبقة عليها من اللجنة الخماسية.
المصدر: موقع المنار + صحف