سيطر الانقسام الداخلي بشأن “الخطة القضائية” على جدول الأعمال الصهيوني، السياسي والإعلامي، ذلك بعد يوم صاخب من الاحتجاجات، عمّت أنحاء متفرقة من الكيان، وشارك فيها عشرات الآلاف، حيث شهدت حالات ومشاهد عنف بين عناصر الشرطة والمتظاهرين.
الحراك السياسي
على وقع عودة ظاهرة عرائض رفض الخدمة العسكرية، لاسيّما في تشكيل الاحتياط، احتجاجاً على الخطة القضائية للحكومة، جدّد وزير الحرب الصهيوني، يؤآف غالانت، تحذيراته من عواقب إقحام الجيش في النزاع السياسي المتفاقم على خلفية “الخطة القضائية”، وفي كلمة له، لمناسبة ذكرى حرب “يوم الغفران”، أشار غالانت إلى عواقب الصدع الاجتماعي في أعقاب الخلافات السياسية.
وعن مخاوفه من ظاهرة رفض الخدمة الاحتياطية، قال غالانت “إنّ تشجيع رفض الخدمة والتوقّف عن التطوّع في الاحتياط يُهدّدان وحدة الصف، ويُشكّلان جائزة للأعداء”.
ويجد غالانت نفسه – حالياً – عالقاً بين مطرقة كونه وزيراً أساسياً في الحكومة، وعضواً من حزب الليكود الذي يتبنّى “خطة التعديلات القضائية” من جهة، وبين سندان كونه وزير الحرب، و”المسؤول الأوّل عن تماسك الجيش، والحفاظ على كفاءته وجاهزيته للحرب المقبلة”.
وسبقت تحذيرات غالانت تقديرات وتسريبات تُشير إلى أنّ اتساع رقعة الاحتجاجات، وانتشار ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في صفوف “القوّات النظامية وقوّات الاحتياط”، إلى جانب الضغوط الدولية، قد تدفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى تعليق جديد للخطة وإرجائها للدورة المقبلة للكنيست.
احتجاج وحدات الجيش الاستراتيجية
ومع وصول قطار “تشريع التعديلات القضائية” إلى محطته الأولى في الكنيست، بعد إقرار- بالقراءة الأولى – البند المعروف بـ “ذريعة عدم المعقولية”، تصاعد الاحتجاج ضدّ الخطة القضائية، لاسيّما في تشكيل الاحتياط في الجيش، وبالتشديد على الوحدات الاستراتيجية والاستخبارية وبعض الوحدات الخاصة، وأتى ذلك على وقع تقارير عن ارتفاع ملحوظ في دعوات وقف التطوّع في الخدمة الاحتياطية، والافتراض بأنّ هذه الظاهرة ستتّسع في حال استكمال خطة التعديلات القضائية وفق الصيغة الحكومية، بحيث يتحوّل التهديد بوقف التطوّع إلى واقع عملي، وما يُقلق الأوساط الحكومية والأمنية والعسكرية أكثر هو أنّ تطوّرات ظاهرة رفض التطوّع في الخدمة الاحتياطية، لا تقتصر على التطوّر الكمّي فحسب، بل يشمل اتجاهات نوعية مختلفة، حيث أنّ عرائض التهديد برفض الخدمة الاحتياطية، باتت تحظى برسائل دعم من مسؤولين سابقين، بعضهم برتبة لواء احتياط.
وعلى خطورة هذه الظاهرة، التي نشأت وتطوّرت منذ إعلان خطة التعديلات القضائية لحكومة نتنياهو، قبل أشهرعدّة، فإنّ الأكثر إثارة للمخاوف، بالنسبة لمُعلّقين، يتمثّل في تركُّز هذه الظاهرة في الوحدات الاستراتيجية والحسّاسة، وفي مقدمها سلاح الجو الذي يعتمد على مشاركة فاعلة من عناصر الاحتياط وعلى الأقل نصف الطيارين والملاحين في سلاح الجو هم من الاحتياط.
أمّا الخط الأحمر الذي حدّده رئيس الأركان هرتسي هليفي، الأسبوع الماضي، بشأن الحفاظ على كفاءة سلاح الجو، فيتمثّل في توقّف عدّة مئات من الطيارين والملاحين، (العدد الدقيق ممنوع من النشر) عن الخدمة، وهي “نقطة ستضرّ بصورة حقيقية بكفاءة سلاح الجو”، بحسب هليفي.
وينسحب القلق، ولو بشكل أقل، إلى بقية الوحدات والتشكيلات الأخرى، كسلاح الاستخبارات، وبعض الوحدات الميدانية الخاصة كوحدة الكومندوس البحري (الشييطت 13)، التي أعلن عدد من مقاتليها توقفهم عن الخدمة الاحتياطية ريثما يجري إيقاف خطة التعديلات القضائية. وفي الموازاة، نشر 120 خريجاً من لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، عريضة أعلنوا فيها أنّه إذا استمرّت العملية التشريعية، فسوف يتوقّفون عن التطوّع للخدمة الاحتياطية.
وفي ترجمة عملية لانعكاس مفهوم “جيش الشعب”، على زخم الاحتجاجات في الشارع، رأى مُعلّقون، أنّه إلى حدّ بعيد، فإنّ استمرار الاحتجاج مرهون الآن بخطوات عناصر الاحتياط، أكثر ممّا يجري في الشوارع.
وفي تطوّر ذو دلالة على خطورة الظاهرة، أشار مُعلّقون إلى أنّ نتنياهو طلب من مجلس الأمن القومي إعداد رأيٍ لقياس الأضرار التي يسبّبها رفض الخدمة، على الأمن.
حرب اهلية
يأتي ذلك في وقت شبّه فيه مُعلّقون الانقسام حول “الخطة القضائية” بقطارين مسرعين نحو نقطة تصادم محتوم، عادت إلى الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية، المخاوف من “حرب أهلية” ، الأمر الذي انعكس في سلسلة من التحذيرات والدعوات إلى إيقاف “الجنون” في الشارع.
وفيما حذّر رئيس قسم الإعلام في الهستدروت (إتحاد نقابات العمال)، من وضع غير مسبوق يمرّ به “المجتمع الصهيوني”، دعا أحد قادة منظّمة “إخوة السلاح”، إلى وقف خطة التعديلات القضائية و”إلا ستحدث حرب أهلية”. وأعرب اللّواء احتياط متان فلنائي، عن قلق على الكيان المؤقت “لم يشعر به من قبل رغم خوضه لمعظم حروب إسرائيل، بما فيها حرب يوم الغفران”.
المصدر: موقع المنار