نص الخطبة:
نبارك لكم ولجميع المسلمين عيد الاضحى المبارك، ونسأل الله سبحانه ان يعيده عليكم وعلى الامة بالخير واليمن والبركات والرحمة.
من الواضح أن الله ربط الاعياد في الإسلام بالفرائض والقضايا الكبرى، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، وربط عيد الاضحى بفريضة الحج، وربط عيد الغدير بالولاية التي تشكل احدى قضايا الاسلام الكبرى.
وللاعياد في الاسلام أبعاد ومعان كثيرة وعظيمة، روحية واجتماعية وإنسانية وغيرها، لكن اهمها البعد الروحي والبعد الانساني:
فالبعد الروحي والمعنوي للعيد: هو ان يتوجه الانسان فيه الى الله، ان لا ينسى الانسان ربه في العيد، فليس العيد يوما للهو والعبث والانسياق مع الشهوات والاهواء والتخلي عن الضوابط والقيم بل العيد يبدأ بالتكبير والتهليل والذكر والصلاة والتقرب إلى الله، وهذا يعني انه يوم للتوجه الى الله وللطاعة والعبادة، وليس للتحرر من العبادات والطاعات والقيود والقيم، بحيث ان الانسان يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويتصرف بما يحلو له وبما تهواه نفسه من دون قيود وضوابط .
بل ان اكثر يوم يجب على الانسان ان يتوجه فيه الى الله والى طاعته ومرضاته هو يوم العيد لما له من حرمة ومكانة ومنزلة عند الله .
العيد هو فرصة لاجتماع المؤمنين على حب الله وطاعة الله وذكر الله و التوجه اليه بالدعاء والابتهال والتضرع.
فعَنِ الامام الرِّضَا (عليه السلام) : “أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ وَ يَوْمَ فِطْرٍ وَ يَوْمَ زَكَاةٍ وَ يَوْمَ رَغْبَةٍ وَ يَوْمَ تَضَرعٍ.
وقد صرَّح الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأن يوم العيد هو يوم الذكر و الدعاء في خطبته التي أوردها في يوم الجمعة بإعتباره يوم عيد قائلاً: “… أَلَا إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً، وَ هُوَ سَيِّدُ أَيَّامِكُمْ وَ أَفْضَلُ أَعْيَادِكُمْ، وَ قَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ فِيهِ إِلَى ذِكْرِهِ فَلْتَعْظُمْ رَغْبَتُكُمْ فِيهِ وَ لْتَخْلُصْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ، وَ أَكْثِرُوا فِيهِ التَّضَرُّعَ وَ الدُّعَاءَ وَ مَسْأَلَةَ الرَّحْمَةِ وَ الْغُفْرَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَسْتَجِيبُ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ وَ يُورِدُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَ كُلَّ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ … ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ 3 ، وَ فِيهِ سَاعَةٌ مُبَارَكَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ فِيهَا شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ …”
وقد كان ائمة اهل البيت (ع) يحيون مناسبة العيد بالذكر والعبادة.
فعَنْ الامام الصادق عَنْ أَبِيهِ الامام الباقر( عليهما السلام ) قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ( عليهما السلام ) يُحْيِي لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطَرِ بِصَلَاةٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَ يَبِيتُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَ يَقُولُ يَا بُنَيَّ مَا هِيَ بِدُونِ لَيْلَةٍ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ .
مع الأسف أن الاعياد الإسلامية تحولت في مجتمعنا الاسلامي من مناسبات روحانية و عبادية تجمع الناس و ترص صفوفهم لمواجهة المشاكل والتحديات، إلى مناسبات تطغى عليها مظاهر الزينة و التفاخر والأكل و الشرب و الاسراف و الترف ، بل إلى مناسبات للهو وممارسة المنكرات خلافاً لفلسفة تشريع الاعياد.
طبعا هذا لا يعني ان لا يفرح الانسان في يوم العيد، فالعيد هو يوم فرح وسرور وبهجة، لكن إنما يفرح في يوم العيد من قام بواجباته وأدى الطاعات والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، يفرح من غفر الله له و استلم الجوائز، جوائز المغفرة، التي اعدها الله للطائعين.
فعَنْ الامام الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : إِذَا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْفِطْرِ نَادَى مُنَادٍ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ. هذا في المعني الروحي والبعد الروحي للعيد.
اما البعد الإنساني للعيد فيتمثل في التواصل لا سيما مع الأرحام والأقرباء والجيران والاصدقاء وابناء البلدة، وزيارتهم والاحسان اليهم والاهتمام بامورهم وشؤونهم، وإرساء روح التكافل والتعاون بين المسلمين، وادخال السرور والفرح والبهجة الى عموم المسلمين ليفرح الجميع بالعيد الاغنياء والفقراء والكبار والصغار والميسورون والمتعثرون.
فالعيد هو فرصة ليعبر الانسان فيه عن سموه الانساني والاخلاقي فيشعر بهموم الاخرين وحاجاتهم ويبادر فيه الى التواصل والاحسان وصنع المعروف والتكافل والتضامن مع الفقراء ومساعدتهم ليشعروا بفرحة العيد .
ولذلك نجد ان الله فرض زكاة الفطرة في عيد الفطر واوجب الاضحية في عيد الاضحى على الحجاج وكلاهما يستهدف الفقراء والمحتاجين.
فقد اوجب الله زكاة الفطرة في عيد الفطر لمساندة الفقراء والشعور بحاجاتهم والسعي للتخفيف عنهم، وادخال فرحة العيد الى قلوبهم وحياتهم .
فقد ورد في الحديث عن النبي أنها “طـُعمة للمساكين” فهي تغني الفقراء يوم العيد عن السؤال وتوسع عليهم في الرزق، ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع، فيفرح فيه الغني ويفرح فيه الفقير المعدم، وبذلك تعم الفرحة الجميع ويتم إدخال السرور على الجميع.
كذلك فان الله اوجب الأضحية على من كان في الحج ليستفيد من لحمها الفقراء والمحتاجون، بل جعل الأضحية من المستحبات المؤكدة لمن تمكن منها، ويستحب لمن تمكن من ثمنها ولم يجدها أن يتصدّق بقيمتها على الفقراء.
وفي فتاوى المراجع يجوز لمن يضحّي أن يخصّص ثلث الأضحية لنفسه وعائلته والباقي للفقراء ، كما يجوز له أن يُهدي ثلثاً منها لمن يحبّ من المسلمين، وأن يتصدّق بالثلث الآخر على فقراء المسلمين.
اذن البعد الإنساني في اعيادنا هو بعد اساسي وقد اكد القران على الجانب الإنساني ليس في الاعياد فقط بل في كل زمان ومكان، فأمر بالاحسان والمعروف والعطاء والانفاق والرعاية لمختلف شرائح المجتمع .
قال تعالى:
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).
هذا القرآن الذي يطفح بالمعاني الإنسانية ويدعو الى احترام الانسان، وتقديس كل الاديان والكتب السماوية ، بينما اليوم يتم الاعتداء على القرآن الكريم مجددا من قبل متطرفين حاقدين ومتعصبين .
فمرة جديدة تنتهك حرمة القرآن وترتكب جريمة تمزيقه وحرقه في دولة السويد، في البلد الذي يدعي كذبا احترام الاديان السماوية، بينما يسمح لحفنة من المتطرفين العنصريين وبشكل متكرر الاعتداء على اعظم كتاب سماوي وحرقه امام أعين الناس.
جريمة حرق القرآن امام المسجد الكبير في ستوكهولم هو عمل عدائي واستفزازي يضرب بعرض الحائط مشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم ولا يمكن السكوت عليه، وهو يعكس مستوى الانحطاط الأخلاقي والإفلاس السياسي الذي وصل إليه الغرب الذي يشجع على اعمال عدائية من هذا النوع من خلال ادراجه لهذه الجرائم في إطار الحريات العامة وحرية الفكر والتعبير.
ان الحكومة السويدية التي سمحت بهذه الجريمة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الفعل المشين والمتكرر، لانها شريكة فيه، وعليها المبادرة لمعاقبة المرتكبين والعمل لمنع تكرار مثل هذه الجرائم، كما ان على الحكومات الإسلامية التنديد بهذه الإساءة الكبيرة والعمل لتكوين رأي عام عالمي يحول دون حصول مثل هذه الانتهاكات الخطيرة مجددا.
اما على المستوى الداخلي فاليوم عنادُ الفريق الاخر ورفضُهُ للحوار يُبقي باب الحل مقفلاً إلى أجل غير مسمّى.
نحن انما نصر على الحوار لاننا لا نرى طريقا يؤدي إلى حل مشكلة الرئاسة والخروجِ من الازمات التي تعصف بالبلد غيرَ الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، فالحوار يمكن ان يشكل مدخلًا للتوصل الى تفاهمات وحلول حول رئاسة الجمهورية وحول كل ما يتصل بادارة المرحلة المقبلة وبالتحديات والاستحقاقات التي ينتظرها البلد.
وربطُ الحوار بشروط من اي نوع هو إبتزاز ومراوغة لا نقبل بهما ، كما ان سحب خيار فرنجية من بين الخيارات المطروحة لرئاسة الجمهورية في اي حوار هو امرٌ غيرُ وارد . فنحن متمسكون بدعم هذا الخيار ،وربطُ الحوار باسقاطه هو اقصاءٌ مرفوض وتحدٍ لا يمكن ان نقبل به.