دعا المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ ابو يوسف امين الصايغ، إلى تجنب فخاخ الاستدراج إلى فعل الاقصاء والاستبعاد، مؤكدًا أن الموحدين الدروز طائفة منذ نشأتها لا تخطئ في تقييم دور قيم الآخرين.
وفي كلمة له بمناسبة عيد الأضحى المبارك، سأل الشيخ الصايغ “إخواني بني معروف، هل نراجع أنفسنا ونمارس نقدا ذاتيا بجرأة وشجاعة وتبصر؟ ونعدل أي حال مائل؟ بالإدراك والرشد وعلى ضوء نور التوحيد وما نهج عليه السلف الصالح نميز بين الخطأ والصواب وندرك الفرق بين جمع الشمل المفيد تحت مظلة الحق والقيم وحول رؤية مستقبلية وبين اختلاف يورث الفشل.. محاسبة النفس تعلمنا صحيح السلوك”.
وهذا نص الكلمة:
“الحمد لله رب العالمين جامع الشمل والشتات، ورافع من شاء في الحياة وبعد الممات، الباعث برسله ودعاته، كالمصابيح موزعين على مفارق الأجيال..
ما خلوا منه طرف العين إن عقلوا وما خلا منهم في كل الأوقات
وحاشاه سبحانه أن يخلي عباده في كل زمان من داع للهدى. ذٰلك كان شأن الأنبياء والرسل الكرام، كل في زمانه. إلى أن جاء دور الأمير السيد التنوخي ورسالته لتكون بداية لعهد جديد. وخلف السيد الأمير سلالة من المشايخ الأعيان حملت رسالته بقلوب ما وسعها غير الإيمان، وإيمان ما رسخه إلا التوحيد، وتوحيد ما احتواه سوى العقل.. خطوات موصولة بخطوات موصولة.
والذي حدث على طول التاريخ، أن ما حققته سلالة المشايخ الأعيان من خصال توحيدية انتقل، بالعدل والتخيير وبالفطرة، من السلف إلى الخلف، ومنهم إلى المجتمع المعروفي، ثم إلى أفق أبعد وأوسع. عملية فعل وتفاعل، حتى غدت منظومة قيم شكلت هوية مجتمعاتنا. لأن شراكة الجميع فيها، وحاجة الكل إليها، غدت منائر نطل منها من الوجود إلى الخلود، وثروة وادخارا لنفوسنا حين تحركها الهمم.
إخواني معشر الموحدين، إن سلالة المشايخ الأعيان كانت بمثابة ينابيع وجداول وأنهار، جرت فيها المياه العذبة الزلال وتدفقت وفاضت على جوارها. حتى وجدت معابرها إلى بحر الصفا.. بحر واحد صب فيه الجميع من كل نبع ومن كل نهر! وهذه رسالة التوحيد إلى جميع المؤمنين بأننا عنصر واحد، وبالتاريخ تجربة مشتركة. لا يحق لأحد أن يحتكر فضائها كما لا يجوز لأحد أن يتنازل عن نصيبه فيها. إنما هناك أدوات للإقتراب والتناول تنظمها فرائض توحيدية، الله فيها نقطة البداية والنهاية.. عمادها التقوى، لأن تقوى الله تعني عدم خيانته في أماناته، والموحدون هم خير أماناته.. فحبهم هو حب الله. وإن أكرمكم عند الله أتقاكم. فتأملوا إخواني بعين العقل ما به واصف، فللعقل أسماع وأبصار.
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
{يا أيها اللذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} صدق الله العظيم
أما بعد، أيها المعروفيون أبناء طائفتي الكرام، فإن الأولى أن نبدأ حوارا مع النفس، وعلى ضوء حقائق التاريخ والجغرافيا، نعرف فيه بالضبط من نحن؟ وأين نحن؟ وماذا نريد؟ وهذه فرصة للنهوض؛ أمام ما يشهده العالم العربي والإسلامي من تفاهمات وإطفاء لبؤر حروب حملت معها المآسي والآلام سنوات طوال. ضوء في نفق مظلم!
ومثل هذا الحوار كفيل بتأكيد عدة مسائل:
أولها: الوعي بضرورة حفظ “أمن الهوية” المعروفية؛ التي صاغتها القيم على مر التاريخ، صورة مشرقة للمجتمع الدرزي.
وثانيها: البلوغ بهذا الوعي لضرورة دعم أمن الهوية بقيم العصر وأهمها روح الحرية والعلم والقانون. دون العودة إلى كهوف الماضي المظلمة، بل إلى ينابيعه العذبة!
وثالثها: أننا في حاجة لإعادة الروح للمؤسسات، وقد أدى غيابها إلى تعثر نمو القوى الاجتماعية، وعليه هجرة أبناء وبنات الطائفة الدرزية.
ورابعها: تجنب فخاخ الاستدراج إلى فعل الاقصاء والاستبعاد. فنحن طائفة منذ نشأتها لا تخطئ في تقييم دور قيم الآخرين.
إخواني بني معروف، هل نراجع أنفسنا ونمارس نقدا ذاتيا بجرأة وشجاعة وتبصر؟ ونعدل أي حال مائل؟ بالإدراك والرشد وعلى ضوء نور التوحيد وما نهج عليه السلف الصالح نميز بين الخطأ والصواب وندرك الفرق بين جمع الشمل المفيد تحت مظلة الحق والقيم وحول رؤية مستقبلية وبين اختلاف يورث الفشل.. محاسبة النفس تعلمنا صحيح السلوك.
دامت بعناية الله وهداه أعيادكم والسلام”
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام