عادت التوترات إلى منطقة شمال كوسوفو بين الصرب والألبان، وجاءت عقب نجاح رؤساء بلديات ألبان في انتخابات رفض نتائجها الصرب.
أزمة متجددة.. ومخاطر مترتبة
يبدو أن التوترات الحادة في منطقة البلقان لم تخفت، مع تصاعد التوتر شمال كوسوفو بين الأقلية الصربية والشرطة، بعد محاولة قوات الأمن في 26 أيار/مايو الاستيلاء على مبان رسمية عقب الانتخابات المحلية التي جرت في 23 نيسان/أبريل الماضي، وأدت إلى فوز ممثلي ألبان كوسوفو، بعد أن قاطع الصرب الانتخابات.
يذكر أن الانتخابات جرت وسط ظروف معقدة للغاية، ولم تتعد نسبة المشاركة فيها 3,5%. ردا على ذلك، أعلن حلف شمال الأطلسي الثلاثاء 30 أيار/مايو، عن نشر قوات إضافية في المنطقة.
وقال الأدميرال ستيوارت بي مونش “إن نشر قوات الناتو الإضافية في كوسوفو هو تدبير احترازي، للتأكد من توفر الإمكانيات اللازمة لقوات حفظ السلام (KFor) من أجل ضمان الأمن، وفقا للتفويض الممنوح لنا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
تجاهل دعوات ضبط النفس
وتجاهلت حكومة كوسوفو الدعوات الملحة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لضبط النفس، وأعلنت عن تنصيب أعضاء مجلس المدينة الألبان، الفائزين في الانتخابات. على الإثر، تجمع متظاهرون صرب أمام البلديات المعنية، مطالبين برحيل رؤساء البلديات الألبان وقوات شرطة كوسوفو.
وحاول المتظاهرون اقتحام مبنى بلدية زفيكان، لكن قوات أمن كوسوفو تصدت لهم. لاحقا تدخلت قوات حفظ السلام الدولية المدعومة من “الناتو” للفصل بين الجانبين، ثم بدأت العمل على تفريق المحتجين الأكثر عنفا. هذا التطور أثار غضب المحتجين، فاندلعت مواجهات حامية تخللها إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على الجنود.
مواجهات وجرحى
وفقا لبيان قوات حفظ السلام، أدت المواجهات إلى إصابة 19 عنصرا مجريا و11 إيطاليا، عانوا على وجه الخصوص من “كسور وحروق ناجمة عن عبوات ناسفة حارقة”. كما جاء في البيان نفسه أن “ثلاثة جنود مجريين أصيبوا بأسلحة نارية”.
من جهته، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إن 52 شخصا على الأقل أصيبوا في صفوف المتظاهرين الصرب، ثلاثة منهم إصاباتهم خطيرة. والتقى الرئيس الصربي الثلاثاء بممثلين عن سفراء دول الناتو، المعنية بمراقبة الوضع في المنطقة بشكل خاص، كما أعلن أنه سيلتقي بممثلي الصين وروسيا.
دعوات للضغط على بريشتينا
ودعا فوتشيتش المندوبين الغربيين لحث بلدانهم على الضغط على بريشتينا لقبول الشروط المطروحة، معتبرا في مقطع فيديو نشره على حسابه على تطبيق إنستغرام “لا أصدق أن الدول الغربية لا يمكنها إجبار بريشتينا على تنفيذه”، في إشارة إلى سحب قوات الشرطة من شمال كوسوفو وتنحية رؤساء البلديات المنتخبين. وقال “إذا لم يفعلوا ذلك، أخشى أن يكون الوقت قد فات بالنسبة لنا جميعا”، واصفا قوات كوسوفو بـ”المحتلين”.
ولم تعترف صربيا قط باستقلال كوسوفو، الإقليم الصربي السابق، في عام 2008، بعد 10 أعوام على الحرب الدامية في البلقان بين الصرب والألبان والناتو، والتي أدت في النهاية إلى تفكيك دولة يوغوسلافيا السابقة. وغالبا ما تندلع التوترات بين بلغراد وبريشتينا. في هذا الإطار، أعلنت شرطة كوسوفو أن الوضع “هش لكنه هادئ”، داعية السكان إلى عدم “الانجرار وراء الدعوات للتظاهر والعنف”.
معركة رؤساء البلديات
وتعتبر معركة رؤساء البلديات هذه في صلب قضية استقلال كوسوفو، التي اعتبر رئيس وزرائها ألبين كورت أنه لا يمكن مناقشة أي شيء دون الاعتراف بواقع الاستقلال. لكن العديد من الصرب يعتبرون كوسوفو مهدهم القومي والديني، مثل لاعب التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش، الذي صرح للتلفزيون الفرنسي الاثنين بعد فوزه في مباريات رولان غاروس “كوسوفو هي قلب صربيا، أوقفوا العنف”.
واعترفت 100 دولة باستقلال كوسوفو، بينها معظم الدول الغربية، لكن بلغراد لم تعترف بتلك الخطوة، يضاف إليها روسيا والصين وعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويعيش في كوسوفو نحو 120 ألف صربي، مقابل حوالي 1,7 مليون من أصول ألبانية. وينتشر نحو ثلث السكان الصرب في شمال كوسوفو، وينظر إليهم في الغالب على أنهم موالون لبلغراد.
وتشتهر مناطق الصرب في كوسوفو بسيطرة الأعلام الصربية على المشهد العام، كما أنها تعتبر أي تواجد لشرطة كوسوفو مصدر تهديد وتوتر. يستخدم السكان الصرب الدينار الصربي في تعاملاتهم اليومية.
في 2013، توصل الألبان والصرب في كوسوفو لاتفاق ينص على إنشاء اتحاد من 10 بلديات، من ضمنها البلديات الأربعة التي تقيم فيها الأقلية الصربية.
الاتفاق ظل حبرا على ورق، وتطغى الخلافات على العلاقة بين بلغراد وبريشتينا، وتسيطر المخاوف على العديد من ألبان كوسوفو بشأن إنشاء حكومة موازية تسيطر عليها بلغراد.
لماذا قاطع الصرب الانتخابات البلدية؟
في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، استقال الصرب من المؤسسات المحلية والمشتركة، ما اضطر حكومة بريشتينا لتنظيم انتخابات بلدية لملء الفراغ الناجم عن تلك الاستقالات.
واستقال المئات من ضباط الشرطة الصرب والقضاة والمدعون العامون ومسؤولون كثر، احتجاجا على قرار بريشتينا منع الصرب في كوسوفو من استخدام لوحات تسجيل سياراتهم لأنها صادرة عن بلغراد.
ومنذ يوم الجمعة الماضي، دعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا سلطات كوسوفو إلى “التراجع فورا واحتواء التصعيد”. وعبرت هذه الدول في بيان مشترك عن “قلقها إزاء قرار صربيا رفع مستوى تأهب قواتها المسلحة عند الحدود مع كوسوفو”.
ويأتي هذا بعد تحذير الرئيس الصربي من أن “الأسوأ لم يحدث بعد”، وأن هناك احتمالا لنشوب صراع كبير لأن الصرب مصرون على وقف “الأعمال الاستفزازية” لرئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، وأن هذا الأخير “لن يتراجع أبدًا لأنه يريد ويحلم بأن يكون نسخة عن زيلينسكي” (الرئيس الأوكراني).
كوسوفو في قلب التوترات الجيوسياسية في البلقان
وتقود بروكسل مفاوضات مكثفة بين كوسوفو وصربيا منذ 2011. وكانت قد أعلنت في آذار/مارس الماضي توصل الجانبين إلى اتفاق يهدف إلى تطبيع العلاقات، لكنه لم ير النور حتى الآن بسبب عدم توقيع بلغراد وبريشتينا عليه.
ودعا الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الصرب وكوسوفو على حد سواء إلى “نزع فتيل التوترات على الفور دون قيد أو شرط”. وطالبت باريس “الأطراف، ولا سيما حكومة كوسوفو، باتخاذ الإجراءات اللازمة على الفور لتخفيف التوترات”.
من جانبها، دعت موسكو الغرب إلى “وضع حد نهائي لدعايته الكاذبة والتوقف عن إلقاء اللوم بشأن الأحداث في كوسوفو على الصرب اليائسين الذين يسعون سلمياً (…) للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم المشروعة”.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد اعتبر يوم الاثنين الماضي أن “الصرب يقاتلون من أجل حقوقهم في شمال كوسوفو”، معتبراً أن الجيش (الصربي) في حال تأهّب و”القرار سيتخذه الرئيس الصربي”. وقال لافروف خلال زيارة لكينيا تعليقاً على تدخل حلف الناتو عام 1999 ضد بلغراد، والذي أنهى الحرب بين القوات الصربية والمقاتلين الألبان في كوسوفو “هناك انفجار كبير يلوح في الأفق في قلب أوروبا”.
المصدر: موقع المنار + وكالات