نص الخطبة
يقول الله تعالى:(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(.
الآية تتحدث عن اوضاع المسلمين في بدايات الاسلام وقبل انتصار بدر على الارجح، وكيف كانوا قلة قلقة وخائفة ومستضعفة وعاجزة امام القوى المشركة والمستكبرة، وكيف ان الله احتضنهم ورعاهم واعطاهم النصر والعزة والقوة، فالحق الهزيمة باعدائهم في بدر والخندق ومعظم المواجهات التي خاضوها مع القوى المستكبرة.
ولم يمنحهم الله النصر بالمجان ، لان الله سبحانه وتعالى لا يعطي النصر مجاناً وبلا شروط، بل القرآن الكريم وضع شروطاً للنصر، فمن شروط النصر:
1-الجهاد والمقاومة والمواجهة والقتال ، القتال في سبيل الله ودفاعا عن الأهل والعرض والارض والمظلومين والمستضعفين، والاستعداد للعطاء ولتقديم التضحيات ولبذل الانفس والدماء في سبيل الله، لا يمكن ان يمنح الله النصر للقاعدين والمتقاعسين والكسالى والجبناء والمتخاذلين والذين يختلقون الحجج والاعذار ليتهربوا من المسؤولية ، لا ينزل الله النصر هكذا من دون ان يتحرك الناس ويواجهوا ويقاتلوا اعدائهم. (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
2-الايمان بالله الارتباط به والتوجه اليه، والتوكل عليه، بان يكون قتالك وجهادك ومقاومتك وحضورك في المحاور والجبهات لله، وابتغاء مرضاة الله، وليس لارضاء فلان وفلان او للمباهاة وشوفة الحال، او من اجل الحصول على مكاسب، على راتب او موقع او مسؤولية، وان يكون اعتمادك على الله ، فتستمد منه القوة والصلابة والتأييد والتوفيق والتسديد، وعندما يتوجه المجاهد الى الله ويتوكل عليه ويستمد منه الارادة والقوة والتوفيق، فان الله يوفقه ويسدده ويسدد رميته، فيرمي بقوة الله، ويصيب هدفه بتسديد من الله ويصبح مصداقا لقوله تعالى : (وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى).
3-الإعداد والتجهيز والتسليح والتدريب وتراكم الخبرات والتخطيط الجيد للمعركة ، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ).
4-الإخلاص لله تعالى، والصدق معه والصبر والثبات التحمُّل، وعدم الاستسلام ، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ .
5- التماسك، ووحدة الصف ووحدة الكلمة والموقف، قال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
ومن خلال كل هذه الشروط نعرف ان التدريب الجيد والتخطيط والخبرة ونوعية السلاح والجهوزية المادية لا تكفي لوحدها لتحقيق النصر وهي ليست العلّة التامّة للنصر، بل لا بد من العوامل المعنوية الايمان والاخلاص والصبر وغيرها من العوامل والشروط التي ذكرناها لتحقيق النصر، باعتبار انها عوامل اساسية من عوامل النصر، وهذا نلاحظه في الايات التي تتحدث عن بعض المحطات التي انزل الله فيها النصر على المجاهدين بالرغم من قلة عددهم وبساطة عتادهم وامكاناتهم.
ففي إحدى حروب بني إسرائيل التي قادها طالوت ضد جالوت يحدثنا القران فيقول ﴿ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾و في بعض النصوص بأن جنود طالوت الذين بقيوا معه وواجه بهم جالوت وجنوده كانوا 313 مقاتلاً فقط اي كانوا قلة بينما كان جيش جالوت جيشا جرارا ومع ذلك انتصروا عليهم لانهم كانوا يتحلون بالاخلاص والصبروالثبات .
وفي معركة بدر كان المشركون 950 مقاتلاً وبينهم 200 فارس، و700 دارع، بينما المسلمون 313، معهم ثلاثة أفراس، وثمانية سيوف فقط. ومع ذلك، فإنّ الله تعالى حينما رأى أنّ شروط النصر قد تحقّقت، أنزل نصره عليهم، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
وفي “خيبر” كان عديد تشكيل الجيش الإسلاميّ ثلاثة الاف مقاتل، بينما عديد جيش اليهود كان عشرة الاف مقاتل، ومع ذلك نصر الله تعالى المسلمين.
وعلى كل هذه الشروط والعوامل المادية والمعنوية لا بد من توافرها في المجاهدين وفي المعركة وفي المجتمع وفي البيئة التي ينزل الله فيها النصر.
وما تتحدث عنه الاية التي قرأتها في بداية الحديث يشبه الى حد كبير اوضاعنا واحوالنا نحن اللبنانيين قبل انتصار 25 ايار 2000 فقد كنا القلة المستضعفة والقلقة والخائفة من “اسرائيل” ، كان اهلنا في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا وكل لبنان عرضة للارهاب الاسرائيلي المستمر كان يعتدي ساعة يشاء ويقصف ساعة يشاء ويدخل الى القرى والبلدات وينكل باهلها متى شاء، كان الناس يعيشون القلق والخوف والرعب بسبب الاعتدات الصهيونية المتكررة، وكان لبنان قبل المقاومة ضعيفا وعاجزا ومكبلا، ولكن بعد المقاومة وانتصار ايار 2000 بات الاسرائيلي هو القلق والخائف والمرتعب الذي يبني الجدران على الحدود من أجل تحصين مستوطناته من المقاومة، جاءت المقاومة ونقلت لبنان من الضعف الى القوة ومن الذل الى العزة ومن العجز الى المنعة والاقتدار ومن زمن الهزائم الى زمن الانتصارات، فنحن تربينا في زمن المقاومة على العزة والكرامة الوطنية والشموخ والعنفوان والتمسك بحقوقنا وخيارتنا، لا نعتدي على أحد، ولكن لا نقبل ان يعتدي أحد علينا، ولا نقبل ان يستضعفنا او يذلنا أحد، ولذلك نقف في الميدان بكل قوة وصلابة ندافع عن بلدنا وشعبنا، ونواجه التهديد بالتهديد والعدوان بالرد الحازم والحاسم .
والشروط التي ذكرها القران للنصر رايناها في مقاومتنا ومجاهدينا وشهدائنا ومجتمعنا واهلنا وناسنا، ولأن اهلنا ومجاهدينا من اهل الجهاد والايمان والصدق والاخلاص والوفاء والصبر والثبات والشجاعة والاستعداد للتضحية فقد نصرهم الله في ايار 2000 وفي اب 2006 .
عندما وجد الله صدقكم وإخلاصكم وصفاءكم ووفاءكم، وعندما وجد الله أنكم جاهزين للتضحية بلا حدود، وعندما وجد أنكم تتحملون المسؤولية بقوة ولا تتهربون منها، عندما واصلتم الجهاد والمقاومة وصبرتم وصمدتم وكنتم لائقين بالنصر، هزم عدوكم وانزل عليكم النصر، كما قال امير المؤمنين(ع): (الحرب سجال فمرة لنا من عدونا ومرة لعزنا منا حتى إذا رأى الله صدقنا انزل علينا النصر وبعدونا الكبت)، بالرغم من عدم وجود أي توازن في الإمكانات والقدرات لا على مستوى العدد ولا على مستوى العتاد.
في 25 أيار أثبتم، وأثبت أهلنا وشعبنا وأثبت مقاومونا من أنهم كانوا لائقين وجديرين بالنصر، عندما حافظوا على نعمة النصر وحموا النصر، وعندما تعاطوا بشكل حضاري عندما دخلوا إلى منطقة الشريط الحدودي المحتل، وحافظوا على الناس وعلى الأرواح وعلى الممتلكات، وتعاملوا بأدب وأخلاق وحكمة ، وترفعوا عن الإنتقام والثأر حتى من العملاء ممن أرهبهم ونكل بهم وقتل أولادهم وقصف بيوتهم، وتركوا الأمر للقضاء اللبناني ليحاسب العملاء ولم يبادروا الى محاكمتهم ميدانيا.
كل هذا السلوك الايماني والاخلاقي والانساني يعني أن اهلنا كانوا لائقين بالنصر، وما بعد ال2000 تمسكهم بالمقاومة وببقاء المقاومة وبتقوية المقاومة وإحتضانها، اثبت أنهم كانوا لائقين بهذا النصر وأنهم كانوا شاكرين وكانوا أوفياء لأنه كانت لديهم المعرفة بأن الذي صنع لهم هذا النصر هو مقاومة أبنائهم.
وعندما جاءت حرب تموز2006 أيضاً كانوا لائقين بالنصر في حرب تموز بصمودهم وثباتهم وصدقهم وتضحياتهم ووفائهم، والذي يثبت أنهم كانوا لائقين بالنصر هو ما حصل بعد إنتهاء الحرب بعد 33 يوماً، عندما عادوا إلى قراهم وإلى بلداتهم ونصبوا الخيم على بيوتهم المهدمة ورفضوا أن يُغادروا، وحافظوا على مقاومتهم ولم يتخلوا عنها، وحتى اليوم بالرغم من كل التهويل والتهديد والحصار والعقوبات والاتهامات الباطلة والتشويه والضغوط الاقتصادية والمعيشية لا زالوا يحتضنون المقاومة ويتمسكون بها ولم يتخلوا عنها، وكل محاولات الاعداء والخصوم لتأليب الناس على المقاومة وابعادهم عنها لم تجد نفعاً.
المقاومة الى جانب الجيش والشعب هي التي صنعت معادلة القوة في لبنان، وهذه المعادلة هي التي فرضت على العدو الاسرائيلي في أيار العام 2000، أن يخرج مهزوماً دون قيد او شرط، وهي التي أفشلت عدوان 2006 وهي التي تحمي اليوم لبنان من الاطماع والتهديدات والعدوان الصهيوني.
و بسبب وجود هذه المعادلة بات العدو الإسرائيلي اليوم يحسب ألف حساب لأي عدوان، ويتعاطى بشكل مختلف مع لبنان، ويخشى رد حزب الله على أي عمل عدواني ، ونحن ننصح بان يبقي العدو خائفا، بل يجب ان يبقى خائفا ومرعوبا، لأن المقاومة اليوم هي أقوى وأقدر وأشد وأصلب من أي وقت مضى، وهي أكثر تصميما وعزما من أي يوم للرد على أي حماقة يمكن ان يرتكبها العدو ضد لبنان حتى لو أدى ذلك إلى حرب كبرى وواسعة، لأننا مصممون على الدفاع عن أرضنا وبلدنا وكرامتنا وحقوقنا في أرضنا وثرواتنا.
والمناورة التي قامت بها المقاومة قبل أيام يجب ان يفهم العدو رسالتها جيدا، فلا يخطىء في الحساب كما اخطأ في غزة.
على بعض اللبنانيين ان يعرفوا قيمة هذه المقاومة ويتمسكوا بها بدل التصويب عليها وعلى سلاحها وقدراتها، لانها ضمانة أمن وقوة ومنعة لبنان، وهي مصلحة للجميع وضرورة وطنية واستراتيجية، لكي يبقى بلدنا عزيزا وقويًّا وسيدا ومستقلًّا، وليس ذليلا وخائفا وخاضعا امام الامريكي والاسرائيلي.
نريد أن يعرف اللبنانيون ايضا أن الرهان على الخارج وانتظاره لايجاد الحل لا يجدي، فالحل وانجاز الاستحقاق الرئاسي وانقاذ البلد لا يكون الا بتوافق اللبنانيين وتعاونهم وتفاهمهم مع بعضهم البعض، اما العناد والمكابرة والبحث عن الامتيازات الفئوية والحزبية فلن تؤدي سوى الى المزيد من معاناة اللبنانيين وضياع الوقت وإطالة أمد الأزمة.