تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 25-5-2023 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
البناء:
تهديدات «إسرائيلية» مباشرة للبنان والمقاومة… بانتظار كلام السيد نصرالله اليوم في عيد التحرير / بري يضع الإصلاحات ومنها اللامركزية في مواصفات الرئيس… بعد فشل تسمية منافس لفرنجية / القضاء يحجب سلامة عن القضاء الفرنسي ويمنعه من السفر… والحكومة تبقيه حتى نهاية ولايته
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية “الحدث اليوم هو عيد المقاومة والتحرير مع إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي الخلفية توتر متصاعد في الخطاب الإسرائيلي وصولاً للتهديد المباشر للبنان والمقاومة على ألسنة قادة الجيش والحكومة. وهي تهديدات تنقلت وتبدلت لكنها لم تتوقف منذ مناورة المقاومة يوم الأحد الماضي تحت عنوان العبور إلى الداخل الفلسطيني في أي مواجهة مقبلة، ومثلما ينتظر المحتفلون بالتحرير كلام السيد نصرالله ينتظره العالم وقادة الكيان والرأي العام في الكيان، لترتسم معادلة الأيام المقبلة.
بمناسبة عيد المقاومة والتحرير توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اللبنانيين مهنئاً ومتحدثاً عن الاستحقاق الرئاسي داعياً للحوار والتوافق، مشيراً الى مواصفات الرئيس المنشود، مضيفاً للمرة الأولى ما يتصل بتطبيق إصلاحات الطائف ومنها اللامركزية الإدارية الموسّعة. وهو ما رأت فيه مصادر نيابية فتحاً لباب الحوار مع التيار الوطني الحر، في ضوء فشل مساعي ضم التيار الوطني الحر الى صفوف المعارضة الساعية لمرشح تحدّ ينافس المرشح سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حركة أمل وحزب الله، خصوصاً بعد الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن استحالة التفاهم بين التيار والقوات، وكلام النائب ألان عون عن التمسك بمرشح يوافق عليه ثنائي حركة أمل وحزب الله، وتأكيد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن السعي للتوافق وعدم تبني خيار مواجهة أو تحدٍّ في الانتخابات الرئاسية.
في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان التطور البارز مثوله أمام القضاء، بعدما أبلغ القضاء اللبناني الى القضاء الفرنسي أنه لم يعثر على سلامة لإبلاغه مذكرة الاستدعاء للحضور أمام القضاء الفرنسي، وكما كان متوقعاً تم سحب جوازي سفر سلامة، اللبناني والفرنسي وأبلغ بمنعه من السفر، بما يحقق ما طلبه سلامة من حجبه عن القضاء الفرنسي، وتكامل الموقف القضائي بحق سلامة مع قرار فصل القاضية غادة عون، وما قررته الحكومة من استحالة عزل سلامة وتمكينه من البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته على الأقل!
وضع القضاء اللبناني يده على ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقد مثل أمام قاضٍ لبناني للمرة الأولى، وعلمت «البناء» أن مساراً قضائياً لبنانياً موازياً قد فتح بموازاة المسار القضائي الأوروبي وهناك قرار سياسي – قضائي باسترداد ملف سلامة من القضاء الفرنسي ووضع يده على تفاصيله.
وأشارت أوساط مطلعة لـ»البناء» الى أن القضاء اللبناني وضع الملف في عهدته انطلاقاً من المعاهدات الدولية، وحتى لو تم توقيف سلامة في إحدى الدول الأوروبية فيعود للقضاء اللبناني استرداده الى لبنان ومحاكمته وفق الأصول القانونية اللبنانية.
ولفتت الأوساط أن الاجتماع الوزاري التشاوري في السرايا الحكومية «لم يخرج بحل أو مخرج في قضية الحاكم، بل انقسم الوزراء على مقاربته، لكن لم يطرح أحد مسألة إقالة سلامة بشكل جدي لغياب التوافق على ذلك وعدم توافر ثلثي مجلس الوزراء والعجز عن الاتفاق على بديل، فإذا حصلت الإقالة فيجب إجراء التعيين في الجلسة نفسها، إذ لا يمكن ترك منصب الحاكمية للفراغ ما يؤثر على استقرار الأوضاع الاقتصادية والنقدية ويزيد من وطأة الانهيار، لكون مصرف لبنان على تماس مع كافة مفاصل الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية»، كاشفة عن قرار «باستمرار الحاكم في ولايته حتى نهايتها وبعدها يصار الى تطبيق قانون النقد والتسليف الذي ينص بوضوح على تسلّم النائب الأول للحاكم بالوكالة هذا المنصب».
وكما كان متوقعاً استمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى إفادة حاكم مصرف لبنان في قصر العدل في بيروت وحجز جوازي سفره الفرنسي واللبناني وتركه رهن التحقيق بعد جلسة استمرت ساعة وعشرين دقيقة. وأفيد أن سلامة أجاب عن كل أسئلة قبلان، معتبراً أن مذكرة التوقيف في حقه غير قانونية.
واجتمع القنصل الألماني أمس، بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ووضعه في صورة مذكرة التوقيف الألمانية الصادرة بحق سلامة. في المقابل، قال سلامة لـ»الحدث»: «لم أُبلّغ بصدور مذكرة توقيف ألمانية بحقي».
في موازاة ذلك، تقدّم وكلاء الحاكم سلامة القانونيون في فرنسا بطعن أمام القضاء الفرنسي لاسترداد مذكرة التوقيف الفرنسية المعمّمة عبر النشرة الحمراء.
وطلب سلامة من القضاء اللبناني عدم تسليمه الى القضاء الفرنسي ومحاكمته في لبنان.
وأفادت مصادر إعلامية أن «سلامة صرح أن راتبه الشهري كان 150 ألف دولار قبل أن يكون حاكماً للمركزي»، كاشفةً أنه «نفى كل ما نسب إليه من القضاء الفرنسي وتمسك بما قاله خلال التحقيقات السابقة ولم يتم الحديث عن المذكرة الألمانية».
ولفتت مصادر قانونية مواكبة للملف لـ»البناء» الى أن القضاء الأوروبي والفرنسي مستمرّ بمتابعة الملف وسيصل فيه حتى النهاية رغم كل العوائق القانونية والسياسية التي تحيط بالملف لا سيما في لبنان، وصحيح أن ملفات الفساد المتهم فيها سلامة تقع في لبنان، لكن جزءاً من هذا الفساد تم في دول أوروبية عدة كتبييض الأموال أي أن مصدر هذه الأموال التي أتى بها سلامة بطريقة غير مشروعة وتم إدخالها الى دول أوروبية ودمجها في النظام المصرفي لهذه الدول أيضاً بطريقة غير قانونية».
ولفتت المصادر إلى أن «القاضية الفرنسية أود بوروزي التي ادعت على سلامة ستكمل عملها القانوني حتى نهاية ولايتها وإحالتها الى التقاعد، لكن سيُصار الى تعيين قاضٍ مكانها سيكون أكثر دقة وتشدداً»، وردت على الذين يتهمون القضاء الفرنسي بتسييس الملف لأهداف سياسية واقتصادية في لبنان، بأنه إذا كانت فرنسا تستغل الملف فماذا عن القضاء الألماني والإيطالي وغيرهم؟
وعلمت «البناء» أن السلطات السويسرية ستنضم الى فرنسا وألمانيا بالإدعاء على رياض سلامة وإصدار مذكرة توقيف بحقه خلال أيام قليلة. كما علمت بوجود خلاف أميركي – فرنسي في لبنان وتحديداً في ملف سلامة بسبب خلفيات وأسباب عدة أبرزها التنافس والصراع على تعيين حاكم للبنك المركزي، فالأميركيون يريدون الوزير السابق كميل أبو سليمان، فيما يسعى الفرنسيون الى تعيين سمير عساف.
وحمّلت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل، كلاًّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والسيد رياض سلامة مسؤولية تصنيف لبنان في المنطقة الرمادية على لائحة fatf gafi بما تعنيه من مخاطر وضع لبنان خارج النظام المصرفي العالمي نتيجة إصرار رياض سلامة، على الاستمرار في موقعه رغم صدور مذكرات توقيف بحقه».
في المقابل رد المكتب الإعلامي لميقاتي قائلاً: «إن القانون ينص على إجراءات لمعالجة قضية حاكم مصرف لبنان، فليتفضل التيار وعبر وزيره الناطق بالعدل أن يعطينا رأياً قانوناً يسمح باتخاذ التدابير المناسبة بحق حاكم مصرف لبنان خلافاً لما أدلى به في اللقاء التشاوري الأخير بدل أن يكتفي «التيار» ببيانات إنشائية وقنابل إعلامية دخانية لا مفعول لها سوى محاولة ذر الرماد في العيون».
بدوره، رد وزير العدل على ميقاتي مشدداً، على أن «يصدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما نسبه إلينا في بيانه اليوم لكون ما قيل لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وللتذكير يهمنا التأكيد أننا، وفي مسيرة تاريخنا القضائي، لم نمتهن سوى الحق والعدل. كما أن ما قلناه في اللقاء التشاوري بشهادة الوزراء الحاضرين لم يتبدّل بتاتاً خارجاً، قولاً وتصريحاً متمسكين بكل ما صدر عنا قانوناً وملاءمة. فاقتضى التصويب».
في غضون ذلك، لم يسجل الملف الرئاسي أي جديد بانتظار حصيلة المشاورات الدائرة في فرنسا بين المسؤول السعودي الموجود في باريس والمرجح أن يكون المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا ومستشار الرئاسي الفرنسية باتريك دوريل، وسط أجواء إيجابية تظلل هذه المباحثات ووصلت أصداؤها الى بيروت عبر قنوات سياسية وديبلوماسية وفق ما علمت «البناء»، ولفتت الأجواء السياسية الى أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا يزال المتقدم على لائحة المرشحين بعد فشل القوى المعارضة والتيار الوطني الحر بالاتفاق على مرشح أو مرشحين توافقيين.
وعكست أجواء عين التينة لـ»البناء» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو الى جلسة قبل توفر ظروف انعقادها لا سيما اتفاق المعارضة على مرشح أو أكثر وتأمين نصاب الثلثين وإلا فسيتكرر مشهد الـ11 جلسة.
وشدّد الرئيس بري في بيان على أنه «خلافاً لما يروج له البعض تضليلاً للرأي العام نؤكد من موقعنا السياسي والجماهيري والتشريعي بأن أبواب المجلس النيابي أبداً هي ليست موصدة لا أمام التشريع ولا أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي والذي نأمل أن يكون موعد إنجازه اليوم قبل الغد، وذلك رهن بتوافر الإرادات الصادقة بأن تبادر كافة الكتل النيابية والنواب المستقلون الى توفير مناخات التوافق فيما بينها وإزالة العوائق التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية يعبر عن إرادة اللبنانيين يجمع ولا يفرّق، رئيس يؤمن بلبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه، رئيس ملتزم اتفاق الطائف وتنفيذ ما لم يطبّق منه من بنود إصلاحية وفي مقدمتها اللامركزية الإدارية الموسعة وبإقرار استقلالية القضاء ومكافحة الفساد، رئيس للجمهورية قادر على إعادة الثقة لعلاقات لبنان بأشقائه العرب. رئيس للجمهورية لديه القدرة على بناء حوار جاد ومثمر مع الشقيقة سورية لحل مسألة النازحين وإعادتهم الى بلدهم وإنجاز ترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين. رئيس قادر على تبديد هواجس جميع اللبنانيين بكل ما يتصل بحياة الدولة وأدوارها في الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية وطمأنتهم حيال ودائعهم في المصارف. رئيس يرفض أي شكل من أشكال التوطين. رئيس يؤمن بأن إسرائيل هي العدو الأساس للبنان وهي نقيض له في الموقع والدور والرسالة».
بدورها، دعت كتلة الوفاء للمقاومة في ذكرى التحرير إلى «حسن الاستفادة وملاقاة الاستدارة الإيجابية التي تشهدها المنطقة، وتؤكد وجوب اقتران المواقف بالأفعال والترتيبات التي تثبت الصدقية وتعزز فرص التفاعل الإيجابي المطلوب». كما دعت «كل المعنيين في لبنان إلى المسارعة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والتفاهم الوطني الذي يؤدي إلى انتخاب الرئيس المؤهل في هذه المرحلة بالذات لتوظيف الظروف والتطورات الجارية من حولنا، لمصلحة لبنان وتثبيت استقراره وإعادة بناء دولته ومؤسساتها واستنهاض الوضع الاقتصادي المتردي والمأزوم».
من جهته، أوضح رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن «التحالف مع حزب الله أصبح في مرحلة مختلفة»، لافتاً إلى أن «وضع البلد يحتاج الى الخروج من التموضعات الحالية لإعادة بناء لبنان».
وأكد في تصريح أن «هناك مساعي لتوطين النازحين السوريين في لبنان وقد أعلن عنها أصحابها، ولذلك لم تعُد فقط قصة خوف أو توجس بل قضية خطر قائم بوجوده الفعلي وممارسة أفعال مثل الدفع للنازحين بالدولار والمطالبة بأوراق ثبوتية للنازحين مقابل إعطاء سجلاتهم، كل هذا يظهر أنه ليس هناك فقط نية بل عمل تنفيذي لإبقائهم في لبنان».
وشدّد باسيل على أن «عودة سورية إلى الجامعة العربية بحد ذاتها مؤشر إيجابي لمكان سورية الطبيعي واستفادة لبنان وتأثره إيجابيًا من هذا الأمر، ولكن من الممكن أن تكون بداية مسار تحرص فيه الدول العربية على استقرار سورية وعلى استقرارها هي، ومنها لبنان والعراق والأردن بالحد الأدنى، وهذه الدول الثلاث وسورية إذا لم تكن مستقرة فالخليج لن يكون مستقرًاً، وبالتالي هذه مصلحة خليجية إضافية للاهتمام بهذا الملف وطبعًا مصر في قلب هذه المعادلة».
واضاف باسيل أن «هذه الدول إذا اجتمعت وقررت القيام بمعالجة ملف سورية والوضع في سورية من خلفية الاستقرار في سورية وإعادة وضعها في مكانها الطبيعي، فيحتم معالجة ملف النازحين، وهذا الملف يعالج تدريجياً بمجرد أن تتعافى سورية وتبدأ بإعادة الإعمار».
على صعيد آخر، أكد عضو تكتل لبنان القوي ورئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، في تصريح له من مجلس النواب بعد الجلسة الفرعية للصندوق السيادي للنفط والغاز، أنه «اقرينا الفصول المتعلقة بالقانون والنقاش سيتسمر حول الحوكمة والمرجعية الدستورية مع تأكيد الحيادية والشفافية والاستقلالية عن اي ارتباط مباشر بالسلطة السياسية».
وكشف كنعان أنه «سننهي النقاش وفق صيغة نهائية قابلة للإقرار الأربعاء المقبل لنرفع التقرير النهائي الى لجنة المال، خصوصاً أن الأمر حيوي واستراتيجي وبارقة أمل في النفق المظلم»”.
الأخبار:
تحذيرات متبادلة بين المقاومة والعدو: اختبار الردع!
23 عاماً، بالتمام والكمال، هي الفارقة بين تاريخين: الأول في 23 أيار 2000، والثاني في 23 أيار 2023. لكن هواجس العدو لا تزال هي نفسها حيال جبهته الشمالية. قبل 23 سنة، كان الثالث والعشرين من أيار اليوم الأخير الذي تدخل الصحف الإسرائيلية فيه إلى الشريط الحدودي المحتل. بعد يومين، أمكن العثور على بعض هذه الصحف، وبينها نسخة من صحيفة «معاريف»، تضمّنت تقريراً حول تسارع عملية الانسحاب من لبنان، وكتبت عنواناً رئيسياً هو: «حزب الله على السياج». قبل يومين، في الثالث والعشرين من أيار الجاري، تصدّر العنوان نفسه، «حزب الله على السياج»، صحيفة «يديعوت أحرونوت»!
23 سنة لم يغب خلالها هاجس ملامسة المقاومين السياج الحدودي مع فلسطين، عن عقول الإسرائيليين، مسؤولين ومستوطنين وصحافيين. لكن الفارق بين التاريخين، أنه في المرة الأولى، كان العدو أمام صدمة انتشار عناصر المقاومة على طول السياج الحدودي، أما في المرة الثانية، فهو يجد نفسه أمام هول التفكير بأن حزب الله يعدّ لتجاوز هذا السياج. ثمة تحوّل هائل، انتقلت فيه إجراءات المقاومة وخططها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وانتقل فيه العدو إلى مرحلة التحذير والدفاع، حتى ولو رفع صوته مهدداً بالويل والثبور.
المياه الراكدة… جارية
حتى بعد الحرب العنيفة عام 2006، بقي العدو يحاول إقناع نفسه ومستوطنيه بأن الهدوء على الجبهة مع لبنان حقيقي ومستدام، وأن المياه هادئة وراكدة في الجهة المقابلة. لكن، فجأة، استفاق قادة العدو المهنيون على أن ثمة ما تغيّر: المياه جارية، نسمع صوتها، لكننا لا نعرف خيوط مجراها!
في كيان العدو ثمة اهتمام عام لا يقتصر على جهات من دون غيرها، بما يجري على طول الحدود المحيطة بفلسطين. أما في لبنان، فلا يوجد، مع الأسف، غير المقاومة من يملك رأساً بعيون كثيرة تنظر إلى الداخل والمحيط القريب والخارج البعيد في الوقت نفسه. ولم يعد الأمر يقتصر على «ميزة الرؤية»، بل تجاوزها إلى «ميزة تشابك الأذرع»، مع انتقال المقاومة إلى مرحلة التفاعل العملاني مع قوى المقاومة المعنية بتحرير فلسطين، داخل الأرض المحتلة وخارجها.
في هذه النقطة، يمكن القول إنه يحق لأركان العدو الخشية من تطورات مختلفة. ويمكن الحديث أو التكهن أو البحث عن شكل جديد من أشكال مساهمة المقاومة اللبنانية في دعم مشروع المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين. وهذا يمثّل نقطة تحول استراتيجي في الصراع مع إسرائيل. بالتالي، يمكن فهم حالة الذعر والاستنفار والتحدي والتهديد القائمة في كيان الاحتلال.
قبل أيام، وفي إطار أعمال مؤتمر هرتسيليا، كان عنوان البحث هذه السنة: «رؤية واستراتيجية في زمن اللايقين». في سياق المؤتمر تحدث كثيرون، لكن البارز كان ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) اللواء أهارون حاليفا عن أن هناك «بداية فهم» لدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بأن «من الممكن تغيير المعادلة في مقابل دولة إسرائيل»، وأن «عملية مجدو ليست حدثاً لمرة واحدة». وأضاف حاليفا بصوت مرتفع: «نصرالله قريب من خطأ يمكن أن يودي بالمنطقة إلى حرب كبرى. هو قريب من هذا الخطأ، سواء من لبنان أو سوريا»، مشيراً إلى أن تفعيل القوة في الساحة الشمالية، سواء من لبنان أو سوريا، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد وصدام بأحجام نوعية بين إسرائيل وحزب الله ولبنان.
لم يبق كلام حاليفا غامضاً. إذ بادر رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال هرتسي هاليفي إلى القول: «حزب الله مردوع جداً عن شن حرب شاملة ضد إسرائيل. هو يعتقد أنه يفهم كيف نفكر، وهذا الاعتقاد يدفعه إلى الجرأة، وإلى أن يتحدانا لاعتقاده بأن هذا لن يؤدي إلى حرب. وأنا أرى أن هذه طريقة جيدة لخلق المفاجآت». وأوضح هاليفي «أننا ننظر إلى لبنان على أنه بلد يعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، وهو في أزمة عميقة». وبخصوص حزب الله، فإن «تعاظمه في لبنان هو تحدّ مركزي» لإسرائيل، مشيراً إلى أن جيشه يقوم بعمليات لـ «تأخير تعاظم قوة» الحزب، ليخلص إلى التوصيات الآتية:
– ينبغي أن نهتم، طوال الوقت، بأن نحافظ على الفجوة النوعية ونوسعها بين وتيرة استعداداتنا وتحسيناتنا وبين ما يقوم به.
– علينا أن ندرس التوقيت والمبادرة التي يمكن أن تحقق ميزة لنا.
– ينبغي أن نقول إن أقدامنا على الأرض، فالمعركة في الساحة الشمالية ستكون صعبة على الجبهة الداخلية، وستكون في لبنان أكثر صعوبة بسبعة أضعاف، وعلى حزب الله أكثر من ذلك.
الإنذار بالتهديد
من دون حاجة إلى كثير من المعطيات أو التحليلات، ثمة أحداث وأحاديث جرت الأسبوع الماضي، تعكس حالة «الاستنفار» على جانبي الحدود. إسرائيل تقول علناً إنها تخشى إقدام المقاومة على عمل عسكري أو أمني في الداخل، وتحذر من أنه سيقود إلى حرب. وعندما يقول العدو إن عملاً ما سيقود إلى حرب، فهذا يعني أن العدو يقول مسبقاً إنه سيرد بقوة وقسوة على هذا العمل، وأن طبيعة الرد ستجعل حزب الله يردّ بقسوة أيضاً، ما يعني تدحرج الوضع نحو حرب واسعة.
لكن، لنعد قليلاً إلى أيام مضت فقط. ففي ختام مناورة حية للمقاومة الإسلامية، السبت الماضي، ألقى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين خطاباً، وقرأ عبارات مكتوبة – ما يعكس أن ما يقوله ليس وليد الساعة، بل نتاج قرار وطريقة تفكير – وخاطب قيادة العدو محذراً: «إذا فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا، فسنكون جاهزين لنمطركم بصواريخنا الدقيقة وكل أسلحتنا، وستشهدون أياماً سوداء لم تروا لها مثيلاً، وعلى العدو أن يعلم جيداً أننا نقصد ما نقول».
هذا الكلام قد يبدو للبعض عادياً، لكن العدو كان أول من فكّ شيفرته، وقرأ تهديداً واضحاً بأن المقاومة في لبنان تستشعر احتمال لجوئه إلى خيارات مجنونة. وأن في قيادة العدو من يعتقد بأن ما جرى في غزة، يمكن أن يُجرّب في لبنان، وأنه في حال فكّر العدو وقرر ونفذ أي عمل أمني أو عسكري من النوع الذي يقلب المعادلات، فإن المقاومة سترد ليس بعملية عسكرية عادية، بل بشتاء من النار!
عملياً، كان العدو يعرف عن المقصود بالخطاب، ولو أن الطرفين لا يتحدثان علناً عما يجري خلف الجدران، إلا أن واقع الحال عاد العدو نفسه وشرحه، عبر تهديدات قادته العسكريين والأمنيين، ما يعني أن توازن الردع القائم منذ سنوات طويلة على طول الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، قد انتقل إلى مستوى جديد.
ماذا يخشى العدو؟
بحسب المؤشرات، المعروفة أو المكتومة، يبدو العدو كمن اجتهد خلال السنتين الماضيتين لفك أحجية جديدة، وتجميع عناصر لوحة «البازل» الخاصة باتحاد قوى المقاومة وساحاتها. وهو لمس عملياً التطور الهائل في برامج عمل قوى محور المقاومة، داخل فلسطين وخارجها. ويدرك أن لبنان يمثل مركز الثقل في هذا المحور. وبالتالي، فإن قلقه من البرنامج النووي الإيراني لا يستدعي إثارة كل الضجيج الحالي، بل إن ما يفرض على العدو الاستنفار والتهديد والمغامرة بإثارة رعب المستوطنين قبل اللبنانيين، هو خشية من تحول نوعي في مقاربة المقاومة اللبنانية لدعم المقاومة في فلسطين.
أمس، أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «المؤسسة الأمنية والعسكرية تتفاخر كثيراً بإنجازات المعركة بين الحروب ضد تعاظم حزب الله، لكن فيما نحن نتبرّج بغارات قائمة على استخباراتٍ ممتازة، فإن العدو يمكن أن يستخلص خلاصات مختلفة كلياً»، وأن إيران وحزب الله «يرغبان بإنتاج معركة بين حروب، مضادة، تقوم على الإزعاج المتواصل في كل الجبهات، وكله بالفعل كما عندنا تحت سقف الحرب».
ما ورد في هذا التقرير يقارب الحقيقة، لجهة أن المعادلات التي حاول العدو خلال عشر سنوات فرضها على محور المقاومة خارج فلسطين، في طريقها إلى الزوال، وأن هامش المناورة الذي لجأ إليه العدو في توجيه ضربات إلى محور المقاومة بطريقة لا تقود إلى حرب، قد يكون سلاحاً مقابلاً من جانب المحور نفسه، مع فارق أساسي، وهو أن محور المقاومة يشير إلى مستوى من الجاهزية الكافية لمواجهة خيار الحرب المفتوحة، ولو أنه لا يريدها، في مقابل خشية العدو من جره إلى حرب مفتوحة وشاملة، قد لا يكون جاهزاً لها بصورة كافية.
بهذا المعنى، يمكن قراءة خطابات «هرتسيليا» تجاه حزب الله، ولجهة أن العدو يعتقد بأن هناك مخاطر داهمة تكاد تخرج إلى حيز التحقق، وتهدف في ما تهدف، إلى إحداث تعديلات في المعادلة القائمة منذ ما بعد حرب عام 2006. وبناء على ذلك، ترى الاستخبارات العسكرية بأن عملية مجدو ليست حدثاً وحيداً. وهو الأمر الذي يجعل قادة العدو يعتقدون بأن عليهم توجيه رسالة ردع إلى حزب الله عبر التشديد على أن أي ضربة تتعرض لها إسرائيل انطلاقاً من سوريا أو لبنان ستؤدي إلى حرب كبرى. علماً أن كلاً من حاليفا وهاليفي يعرفان أن إسرائيل مردوعة عن شن حرب شاملة بشكل أو بآخر. ولو كان الأمر خلاف ذلك، لما تجنبت حتى الآن المبادرة إلى خيارات عسكرية. والسبب أن العدو يعرف أن مثل هذه الخيارات ستُقابل بردّ متناسب سيؤدي بدوره إلى ردّ مضاد والتدحرج إلى مواجهة كبرى.
عن المفاجآت والذكاء الاصطناعي و«الهوة النوعية»
في خطابه أمام مؤتمر هرتسيليا، تحدث رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي عما سماه «مفاجآت» يعدّها جيشه، وهو ما ألمح إليه رئيس «أمان» أهارون حاليفا، ثم أكد عليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد بدا العدو، بذلك، معنياً بإضفاء «أجواء من الترقّب والتهديد». لكن اللافت أن يقدم على ذلك مع علمه بأن المفاجآت أمر متوقع وعادي ربطاً بطبيعة الصراع القائم وحجمه. لكن، ألا ينبغي التمييز بين المفاجآت التكتيكية والاستراتيجية؟
في هذا المجال، يظهر التناقض في الدعاية الإسرائيلية. إذ يقرّ العدو بأن حزب الله يعدّ العدة (منذ تحرير العام 2000، وما بعد 2006) لمواجهة حرب كبرى. ثم يعود ليقول إن حزب الله «فوجئ» – بالمعنى الاستراتيجي – بشن إسرائيل حرباً عليه. ولو كان الأمر كذلك، فما هو سبب عمل المقاومة في لبنان على بناء هذا القدر الهائل من القدرات التي يحاكي كل منها تهديدات محددة في البر والبحر والجو، تستهدف العمق الإسرائيلي والأهداف البعيدة المدى؟
حتى بعد المناورة الأخيرة للمقاومة، أشار معلقون في كيان الاحتلال إلى أن حزب الله لم يعرض صواريخه الدقيقة. ورغم أن العدو يعرف ويتحدث عن الصواريخ الدقيقة، إلا أنه كمن يحتاج إلى رؤيتها في وضح النهار وبأم العين. لكنه يعلم – أو يخشى – أن معرفته هذه، قد تقتصر على حيّز معين من برامج عمل المقاومة، من دون أن تكون لديه صورة شاملة. وهنا، يمكن الإشارة، بوضوح، إلى أنه لو كان العدو يملك معلومات كافية لشلّ قدرات المقاومة الاستراتيجية، لبادر منذ زمن إلى شن عمليات تحت عنوان «الحرب الاستباقية». غير أنه، بعكس ذلك، قرر خوض عملية طويلة، ومستمرة منذ عقدين، تحت عنوان «منع تعاظم قدرات حزب الله النوعية».
لكن واقع الأمر، أن هاجس العدو لم يعد يتصل بمنع وصول صاروخ أو سلاح معين إلى مخازن المقاومة، بل يتركّز على «تقليص الهوة النوعية» بين المقاومة وجيش الاحتلال، وهو أمر أشار إليه هاليفي. لكن من المفيد التذكير بأن سلفه أفيف كوخافي سبق أن قال في أول جلسة لهيئة الأركان، في شباط 2019، إن «التحدي الذي يواجهه الجيش هو الحفاظ على الهوة النوعية مع حزب الله، نتيجة تطور حزب الله في هذا المجال».
بذلك، يتضح على لسان رئيسي أركان متتاليين (هليفي وكوخافي) الإقرار بأن هناك نوعاً من سباق الجاهزية بين حزب الله الذي يسعى بدعم إيران إلى تقليص الهوة النوعية بين جيش العدو الذي يسعى إلى الحفاظ عليها ومحاولة توسيعها. مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الظروف وحجم الفارق بين الطرفين وكون حزب الله حركة مقاومة في حين أن الجيش الإسرائيلي نظامي مسلح بأحدث الأسلحة براً وجواً وبحراً.
في هذا السياق، كان لافتاً ما كُشف عنه أمس في كيان الاحتلال عن تلقي نتنياهو إحاطة من قبل جيش الاحتلال عن كيفية استخدامه برامج الذكاء الاصطناعي في المواجهة الأخيرة مع غزة. وقالت صحافة العدو إن البرنامج الذي اطلع عليه رئيس الحكومة يظهر «كيف يمكن العثور على المطلوبين واغتيالهم باستخدام أجهزة الاستشعار، ومعالجة المعلومات عنهم بواسطته»، وعن كيفية العمل على «جمع المعلومات الاستخبارية المرئية والسمعية (التنصت) والبصمات الإلكترونية، وبين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تحلل البيانات». كما عُرضت عليه الصورة الاستخباراتية التي مكّنت من اغتيال كبار المسؤولين الثلاثة في بداية العملية الأخيرة ضد غزة. وأعلن نتنياهو أن جيشه «يحدث فجوة كبيرة بينه وبين الأعداء، ولقد رأيت اليوم المستقبل هنا بالفعل».
بعد التحذيرات التي أطلقها قادة الجيش والاستخبارات في مؤتمر «هرتسيليا»، الاثنين الماضي، تم التشاور مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي سارع في اليوم التالي إلى زيارة أحد مواقع شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) قرب القدس، وأعلن أنه تلقّى إحاطة بالجهود التي تبذلها الشعبة في مكافحة التهديدات الإيرانية. كما صرّح نتنياهو عقب الزيارة، وقال «إننا (في إسرائيل) دائماً ما نفاجئ أعداءنا، وسنفاجئهم». زيارة نتنياهو، وتصريحه، إضافة إلى تهديدات «هرتسيليا»، ضاعفت من اهتمام وسائل الإعلام بالمشهد، وانطلق تنافس محموم بين محلليها وخبرائها، حول من يقدّم الرواية الأكثر دراماتيكية لما يمكن أن يحدث.
لم تمضِ ساعات قليلة على زيارة نتنياهو، حتى بدأت وسائل الإعلام تتحدّث عن تلقي وزراء المجلس الوزاري الأمني المصغّر (الكابينت) إشعاراً حول اجتماع قريب سيكون موضوعه التهديدات والتطورات في الجبهة الشمالية.
وبعد سيل من المعلومات والتحليلات والتأويلات لما يمكن أن يحدث، أعلن عن قرار العدو إجراء مناورة عسكرية قبالة الحدود مع لبنان تبدأ الأحد المقبل وتستمر أسبوعين. وهي جاءت بعد نحو ثلاثة أسابيع من مناورة تخصصية أجراها جيش الاحتلال في قبرص، وتناولت محاكاة لحرب مع لبنان.
في الأيام العادية، تنفّذ قوات العدو الإسرائيلي مهاماً روتينية على الحدود مع لبنان، ويطلق عليها «مهنياً» تعبير «مهام الأمن الجاري»، وتقوم بها قوات محددة تعرف بـ«قوات الخط». وتخضع هذه القوات، كما الألوية الخاصّة، وبشكل دوري، إلى برامج تدريبية وتأهيلية سنوية، تتقرّر مسبقاً، وتتضمّن تأهيلات ومناورات مختلفة. لكن، بحسب التطورات الأمنية، تنظّم قيادة المنطقة، أو هيئة الأركان، مناورات فجائية، تكون إما لسدّ ثغرات تبيّنت لدى القيادة العسكرية خلال مهام روتينية، أو خلال تصعيد عسكري ما، أو تكون هذه المناورات للتحقّق من جاهزية القوات عند أي طارئ، أو تكون ببساطة غطاءً لرفع جاهزية القوات، واستدعاء جزء من الاحتياط باتجاه الجبهة، ونشر أسلحة وأعتدة، تمهيداً لتنفيذ عمل أمني ما، يمكن أن يكون عملية صغيرة محدودة، أو عملية موسّعة.
وفي السياق نفسه، بثت «القناة 12» تقريراً يتحدث فيه جنود احتياط من لواء المظليين الذين خدموا في الشمال، عن نقص في المعدات الشخصية للقتال، وعن مركبات الدوريات غير المحمية، ونقص الذخيرة. وشكا هؤلاء من «الغطاء الاستخباراتي التكتيكي ومستوى الخطر على القوة في مواجهة التهديد المحتمل، والذي نراه بأعيننا كل يوم، حيث يقف رجال حزب الله على السياج».
ويشير التقرير إلى أن أحد الانشغالات الرئيسية لرئيس الأركان هو اندماج الجيش والمجتمع ربطاً بالحديث عن تحضير لهجوم في إيران والتعامل مع حرب متعددة الساحات. وهو ما يجعل هاليفي يطالب بإنشاء فرقتين إضافيتين، وهي عملية إذا بدأت الآن، ستستغرق حوالي أربع سنوات. وسيتم التدرب على مشكلة توحيد الساحات في مناورة هيئة الأركان العامة الكبيرة التي سيقوم بها الجيش الإسرائيلي”.
المصدر: الصحف اللبنانية