تتفاقم أزمة تخلّف واشنطن عن سداد ديونها وسط تحذيرات لمسؤولين أميركيين من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تداعيات ماليّة ونقديّة كارثيّة، وتقوّض مكانة أميركا على الصعيد العالمي لصالح صعود دول أخرى ذات وزن اقتصادي كبير، ودور سياسي فاعل.
تداعيات كارثيّة
وتعليقًا على ذلك، حذّر Richard Fontaine (ريتشارد فونتين) في مقالة له نُشِرت على موقع The Hill (ذا هيل) من أنّ تخلّف واشنطن عن سداد ديونها يحمل معه تداعيات اقتصادية كارثيّة ستلحق ضررًا حقيقيًّا بـ “الأمن القومي”، وسيقوّض مكانتها ونفوذها على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى قدرتها على الاستفادة من أدواتها في السياسة الخارجية بشكلٍ فاعل.
ورغم أنّ انتشار استخدام عملة الدولار يمكّن واشنطن من فرض عقوبات ماليّة، إلاّ أنّ الكاتب اعتبر أن هكذا سيناريو في التخلّف عن سداد الديون سيشجع الدول الأخرى على الأرجح على استخدام عملات بديلة، والاحتفاظ باحتياط مالي بعملات أخرى أيضًا. ولفت الكاتب إلى أنّ الصين بدأت من الآن بتشجيع شركائها التجاريين على استخدام عملة “اليوان” في التعاملات، وأنّها تطوّر نظام بديلًا عن نظام Swift (سويفت).
كما اعتبر الكاتب أنّ التخلف عن سداد الديون قد يحمل معه تداعيات سلبيّة على صعيد القوة العسكريّة أيضًا، مشيرًا إلى أنّ المجال الدفاعي يمثّل مجالًا أساسيًّا على صعيد الانفاق الفدرالي، إذ إنّ تقويض قدرات الحكومة على دفع الفواتير قد يضرّ بالجهوزية العسكرية، مشيرًا إلى أنّ “قادة” البنتاغون بدؤوا يحذّرون من عدم قدرتهم على دفع رواتب العناصر عند الوقت المحدد، وإلى أنّ حالة الغموض قد تؤخّر إنتاج أنظمة سلاح أساسية.
وأشار الكاتب إلى ما أسماه “تراكم الأثمان الدبلوماسية القريبة الأمد”، مشيرًا إلى إلغاء الرئيس الأميركي جو بايدن زيارات كانت مقررة إلى كل من غينيا الجديدة وأستراليا، وذلك بسبب المفاوضات التي يجريها مع الجمهوريين حول موضوع سقف الديون.
ولفت الكاتب إلى أنّ سياسة واشنطن تجعل الدول متردّدة في الوقوف إلى جانبها في مواجهة الصين، وذكر في هذا السياق عدّة حوادث لم تنجح الولايات المتحدة في التعاطي معها من بينها أحداث اقتحام مبنى الكونغرس، مضيفًا أنّ كل ذلك يثير التساؤلات حول قدرة أمريكا على إنتاج حلول وطنية.
كذلك تحدث عن الحربين في أفغانستان والعراق، حيث قال إنّهما “تدلان على عدم الكفاءة الاستراتيجية ورفض واشنطن وضع أهداف تنسجم وقدراتها في مجال الأمن القومي”. وأوضح الكاتب أنّ صعود الحمائية والسياسة الاقتصادية القائمة على قاعدة “أميركا أولًا” يثير التساؤلات بين الحلفاء حول مكانة مصالحها في صناعة القرار الأميركي، معتبرًا أن مثل هذه الشكوك تستفيد منها الصين.
وبينما بيّن الكاتب أن الأطراف المعنية في واشنطن تصرّ على أن إعلان التخلّف عن سداد الديون ليس خيارًا وبأنّه سيناريو “غير مرجح”، نبّه في الوقت ذاته من أنه ليس سيناريو مستحيلًا.
البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور
وفي السياق، أكدت الناطقة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان – بيار أن البيت الأبيض لا ينوي راهنا اللجوء إلى المادة 14 في الدستور لرفع سقف الدين بالقوة أمام احتمال تخلف الولايات المتحدة عن السداد.
وأوضحت جان – بيار أنه “لن يحل ذلك المشكلة التي نواجهها راهنا” في إشارة إلى استراتيجية تطرق إليها قبل فترة قصيرة الرئيس جو بايدن الذي يخوض مفاوضات صعبة حول الميزانية مع المعارضة الجمهورية.
استكمال المباحثات
واستكملت الإدارة الديمقراطية وخصومها الجمهوريون الثلاثاء المباحثات بشأن رفع سقف الدين العام للولايات المتحدة وتفادي التخلف عن سداد الديون، غداة اجتماع بين الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي أجمع الطرفان على أنه كان “مثمرا” وإن لم يفضِ الى نتيجة.
ما زالت التباينات بين الطرفين تعيق الاتفاق على رفع سقف الدين مع اقتراب الأول من حزيران/يونيو، وهو التاريخ الذي رجّح مسؤولون أن يكون المهلة الأقصى لتوافر أموال في الخزينة، ما يجعل واشنطن من بعده عرضة للتخلف عن سداد ديونها للمرة الأولى في تاريخها.
ومنذ الأحد، يخوض فريقا بايدن ومكارثي مباحثات ليلية مضنية سعيا الى تذليل التباينات بشكل يتيح رفع سقف المديونية العامة أو تعليق العمل به، وإفساح المجال أمام الحكومة لاقتراض مزيد من الأموال وسداد مستحقات الديون المتوجّبة عليها.
وغالبا ما كان رفع سقف الدين إجراء روتينيا يجري من دون خلاف يذكر، الا أنه تحوّل الى أداة للتجاذب السياسي. ويشترط الجمهوريون للقبول به هذا العام، موافقة بايدن بداية على خفض كبير في نفقات الميزانية.
في المقابل، يتّهمهم الديمقراطيون بأخذ الاقتصاد رهينة أجندة سياسية خصوصا قبل الانتخابات الرئاسية 2024.
مهل وإجراءات
إضافة إلى ضيق الوقت لإنجاز الاتفاق سياسيا، يتعيّن على المسؤولين الأميركيين أن يأخذوا في الاعتبار الوقت المطلوب لتحضير النصوص التي ستعرض على التصويت، والحصول على تقدير نهائي من مكتب الميزانية في الكونغرس، وإتاحة 72 ساعة للمشرّعين لقراءة نصّ الاتفاق قبل بدء التصويت عليه.
وبعد انتهاء الإجراءات في مجلس النواب، يتعيّن أن يصادق مجلس الشيوخ على الاتفاق، وهو ما يتطلّب عادة أسبوعا. إلا أن مسؤولي المجلس أكدوا نيتهم تسريع إجراءاتهم هذه المرة.
انعكاسات واسعة
وسيكون للتخلف عن سداد الديون انعكاسات واسعة النطاق في الولايات المتحدة وخارجها على السواء.
وفي السياق، تسارع تراجع الأسهم الأميركية في الدقائق الأخيرة من تعاملات الثلاثاء، مدفوعا بغياب الأخبار الإيجابية من البيت الأبيض فيما يخص مفاوضات رفع سقف الدين، لتُمحى مكاسب الساعات الأولى، ويخسر مؤشر داو جونز الصناعي 231 نقطة.
وفي تعاملات ثاني أيام الأسبوع، مثّلت النقاط الضائعة 0.69% من قيمة المؤشر الأشهر في العالم، وخسر مؤشر إس آند بي 500 نحو 1.12% من قيمته، بينما كانت الخسارة في مؤشر ناسداك 1.26%.
ورغم اقتراب شهر حزيران/يونيو، الذي حددت وزيرة الخزانة جانيت يلين بدايته أول موعد قد تنفد فيه النقدية المتاحة لسداد الالتزامات، غابت حلول الأزمة على الأسواق، وبدأت آثارها تمتد خارج البلاد، وتثير قلق المؤسسات الدولية.
وصباح الثلاثاء، أعربت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، عن أملها ألا يضطر الاقتصاد العالمي إلى الانتظار حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يجري التوصل إلى حل لأزمة سقف الدين الأميركي. وأضافت في مؤتمر صحافي في لندن “نأمل ألا نضطر إلى الانتظار كل هذا الوقت”.
وفي أوروبا، أنهت الأسهم تعاملات اليوم منخفضة، متأثرة بخسائر أسهم كبرى شركات السلع الفاخرة، وبيانات ضعيفة من بنك جوليوس باير السويسري لإدارة الثروات، بينما يترقب المستثمرون هناك أيضا أزمة سقف الدين العام الأميركي.
وتراجع مؤشر ستوكس 600 للأسهم الأوروبي 0.6%، مسجلا أكبر نسبة مئوية للخسارة اليومية في ثلاثة أسابيع. وهوى مؤشر شركات السلع الفاخرة 4.3%، مسجلا أكبر خسارة يومية منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، إذ عمد المستثمرون لجني الأرباح، بعد ارتفاع شديد لأسهم القطاع، وسط بوادر على تراجع الطلب في الولايات المتحدة.
وهبط سهم جوليوس باير 7.4%، محتلا قاع المؤشر العام، بعدما أعلن البنك تدفقات نقدية متواضعة في الأربعة أشهر الأولى من العام، وهو ما خيب آمال المستثمرين الذين توقعوا استفادته من مشاكل “كريدي سويس”.
ارتفاع أسعار النفط
ومخالفة لاتجاه الأسهم، ارتفعت أسعار النفط الثلاثاء، بفضل توقعات نقص الإمدادات بسوق البنزين، وبعدما أثار تحذير من وزير الطاقة السعودي للمضاربين تكهنات بأن يقرر تحالف “أوبك+” مزيدا من خفض الإنتاج.
وزادت العقود الآجلة لخام برنت 85 سنتا أو 1.1% إلى 76.84 دولارا للبرميل، فيما ارتفع خام غرب تكساس الأميركي 86 سنتا أو 1.2% إلى 72.91 دولارا للبرميل، عند التسوية. وارتفعت الأسعار 1% أمس الاثنين، وسط تفاؤل أذكته قفزة في العقود الآجلة للبنزين في الولايات المتحدة.
وارتفعت العقود الآجلة للبنزين 1.2% اليوم الثلاثاء، وسط توقعات من المحللين بانخفاض المخزونات للأسبوع الثالث على التوالي، قبل موسم ذروة الطلب الصيفي الذي يبدأ في الولايات المتحدة يوم 29 مايو/أيار.
الذهب يصعد
أسعار الذهب صعدت اليوم الأربعاء، متأثرة بتراجع طفيف للدولار والعائد على سندات الخزانة في ظل أزمة سقف الدين الأميركي، بينما تتجه الأنظار أيضا إلى محضر اجتماع السياسة النقدية الأخير لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) تلمسا لمؤشرات على مسار أسعار الفائدة مستقبلا.
وزاد الذهب 0.2% في المعاملات الفورية إلى 1977.69 دولار للأونصة بحلول الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.3% إلى 1979.80 دولار. وتراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشرة أعوام فيما انخفض الدولار، الأمر الذي يجعل الذهب أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى.
وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة 0.1% إلى 23.45 دولار للأونصة وارتفع البلاتين 0.5% إلى 1052.70 دولار. كما زاد البلاديوم 1% إلى 1460.61 دولار.
المصدر: وكالات