“مكانك راوح” هو القاعدة التي يمكن القول إنها تحكم الاستحقاق الرئاسي في لبنان، في ظل عدم حصول اي اسم على الاغلبية المطلوبة حتى الساعة للوصول الى قصر بعبدا، مع بقاء اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الأبرز بين الأسماء للفوز بالانتخابات التي يجري البحث بالإعلام في إمكانية عقد جلسة لها الشهر الحالي او الشهر المقبل.
لكن الى أي مدى ممكن ان تستمر هذه الحالة من المراوحة؟ وما هي العقبات التي تمنع الوصول الى توافق على اسم الرئيس المقبل؟ وهل ستبقى العقبات الداخلية مانعة لاجتياز المعوقات وإنجاز هذا الاستحقاق؟
لا شك ان التوافق الداخلي لو حصل فإنه سيحل المشكلة وكنا انتخبنا في لبنان الرئيس العتيد بأقل الخسائر الممكنة وبدون كل هذا الأخذ والرد الاقليمي والدولي، وبدون السماح لهذا السفير او ذاك الدبلوماسي العربي او الاجنبي بإبداء الرأي والنصيحة او التهديد صراحة او ضمنا، لحث البعض في لبنان لإنجاز الاستحقاق وعدم تأخيره بل العمل لتسهيله وتأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب في مجلس النواب.
إلا ان غياب مثل هذا التوافق نقل الموضوع من لبنانيته الصرفة الى تقدم التدخل الخارجي عبر سفراء بعض الدول وصولا لقياداتهم وتشكيل لجنة خماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، مصر، السعودية وقطر) للبحث في الملف الرئاسي اللبناني، ومع ذلك لم تحل العُقد الموجودة بشكل سريع، بل احتاجت الى وقت إضافي حتى بتنا نحسب التقدم بـ”الخطوات” خطوة بخطوة في هذا الملف، على سبيل المثال انه بعد طول انتظار وجمود حصل تقدم خرج الى العلن، تمثل بإعلان السفير السعودي وليد البخاري بُعيد عودته الى لبنان من إجازة عيد الفطر، ان “بلاده لا تضع أي فيتو على أحد بمن فيهم سليمان فرنجية، لكنها ترفض إطالة أمد الفراغ بل تريد إنجاز الاستحقاق بأسرع وقت ممكن، في حين ان السعودية لا تضغط على أي من حلفائها لانتخاب اسم محدد”، ما فُهم على انه خطوة الى الإمام، بينما فهمه البعض انه “استمرار في سياسة المراوحة طالما ان لا دعوة صريحة لانتخاب فرنجية”.
بالتوازي، تبرز بعض التسريبات الإعلامية التي تتحدث ان الاحزاب المسيحية: القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية، تعمل على فتح حوار بين بعضهم البعض وبينهم وبين ما يسمى “النواب التغييرين” للاتفاق على اسم موحد للنزول به الى جلسة الانتخاب المفترضة بمواجهة اسم سليمان فرنجية، إلا ان هذا الأمر لو صح غير محسوم باعتبار ان لا شيء يؤكد نجاح هذه المساعي، التي وإن نجحت لا تؤمن لوحدها وصول المرشح المفترض.
ومن أبرز الاسماء التي يجري تداولها في هذا السياق، (ودائما الكلام لبعض المنصات الاعلامية ولا شي رسمي حتى الساعة) هو اسم الوزير السابق جهاد أزعور، في حين هناك من يصر على طرح أسماء: النائب ميشال معوض، وقائد الجيش العماد جوزيف عون والوزير السابق زياد بارود..
لكن حتى أزعور، لا شي يؤكد إمكانية حصول توافق عليه من قبل الاحزاب المسيحية والنواب المستقلين او انه ينال الاصوات المطلوبة لوضع اسمه بمواجهة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في اي جلسة انتخابية مقبلة، خاصة ان لفرنجية رصيده الداخلي والخارجي ما يجعله الأقرب لحسم المسائل لصالحه فيما لو حصلت جلسة حاسمة للانتخاب، بالاخص مع ثبات وإصرار فرنسا على اسم رئيس المردة وحصول تقارب سعودي بهذا الاتجاه، مع ما نقل في بعض الصحف عن السفير البخاري قوله لنواب “يجب أن تحضروا أي جلسة يدعو إليها الرئيس نبيه بري، وستُفرض عقوبات على كل من يتورط في عرقلة عملية الانتخاب أو تعطيلها”، ما يُفهم انه لو تأمن نصاب الـ65 صوتا مؤيدا لفرنجية في أي جلسة مقبلة فإن الرجل سيفوز حكما.
وكان قد نشر سابقا حصول ضغط باريسي لتأمين النصاب لانتخاب فرنجية مع الحديث عن قرب وصول وفد فرنسي رفيع المستوى الى لبنان لتحقيق هذه الغاية والسعي لتأمين النصاب لصالح فرنجية، ما يعني ان أي توافق داخلي مضاد لن ينفع بعرقلة وصول رئيس المردة الى قصر بعبدا، في ظل ثبات الداعمين له داخليا وخارجيا على مواقفهم بالاضافة الى “التقارب” السعودي السوري، وبعد ذلك بات حريا التساؤل: ان الملف الرئاسي بعد كل هذه المراوحة الى أين يسير؟ الجواب بالتأكيد ستحمله إلينا الايام المقبلة مع عدم غلق الابواب للتحاور بين الافرقاء اللبنانيين خاصة بين الحلفاء الذين ربطتهم علاقات وثيقة واستراتيجية رغم الاختلاف الحاصل في الملف الرئاسي، وبالتالي قد يحصل تبدلات في الايام المقبلة توحي بإمكانية رفع أسهم فرنجية في السباق الرئاسي لا العكس تبعا لما تثمره العلاقات والاتصالات التي لم تنقطع.
يبقى ان نشير الى ما قاله نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم “لنتعالى في لبنان إلى مستوى اتجاه المنطقة نحو التفاهم والاستقرار، فلا نتخلَّف عن الركب، ولنستثمر في الحوار والتفاهم لانتخاب الرئيس..”.
بدوره، قال رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “نحن دعمنا مرشّحاً طبيعياً للرئاسة وعلى الآخرين أن يرشّحوا من يشاؤون وإذا أرادوا التفاهم فنحن جاهزون لإقناعهم ولدينا الحجج والبراهين والأدلة التي نتوسّم فيها أن تُقنع الآخرين إذا كانوا أهل منطق”، وأكد أن “قناعتنا هي المُضيّ بالاتجاه الصحيح وسيشهد لبنان إنفراجاً يتوازى مع الإنفراجات القادمة إلى منطقتنا خصوصاً بعد الإتفاق السعودي الايراني وبعد الإستدارة العربية من حكام المنطقة وأنظمتها نحو سوريا”.
وبنفس السياق، شدد المكتب السياسي لحركة أمل على “ضرورة الاستفادة من مناخات الانفراج الإقليمي واللحظة الداخلية الضاغطة في مختلف العناوين وضرورة الانتهاء من ملف انتخاب الرئيس”.
المصدر: موقع المنار