كما لو ان المشهد يعكس سباقاً ساخناً حاراً مع “مهلة حزيران” التي صارت على ما يبدو كلمة سر علنية ومضمرة في آن واحد، بدت في الساعات الأخيرة صورة التحركات الكثيفة داخليا والتحضيرات لبعض التحركات البارزة خارجيا المتصلة بحيوية تصاعدية لم يعد ممكنا تجاهل اثرها في الاستنفار السياسي والديبلوماسي الناشئ.
محوران اساسيان في الداخل شغلا في الساعات الأخيرة الاهتمامات وسط محاولات رصد ما يحصل على كل منهما وهما محور التحرك المتواصل بوتيرة غير عادية للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، ومحور الاجتماعات والاتصالات الكثيفة بعيدا من الأضواء بين القوى المعارضة.
لقاء ودي وإيجابي
وتمّ تسجيل اختراق لصالح الترشيح الرئاسي للوزير السابق سليمان فرنجية بتلقيه دعوة فطور صباحي في منزل السفير السعودي، استمر نحو ساعة، حسب مصادر “البناء”، تحدّث بعدها فرنجية عن أجواء ودية وإيجابية، بينما تقول مصادر نيابية إن التعثر لا يزال يحكم مساعي توحيد معارضي فرنجية وراء اسم مرشح منافس، وبالمقابل بقاء النائب السابق وليد جنبلاط واللقاء الديمقراطي ومثلهم نواب كتلة الاعتدال في دائرة التريث.
ونشطَت أمس “التحريات” لمعرفة تفاصيل ما دار في اللقاء الذي جمعَ فرنجية والبخاري، ودلالاته المحلية والإقليمية، بالتوازي مع “تحريات” لاستكشاف ما ستؤول إليه التطورات الخارجية، خصوصاً قمة جدّة التي دعيَ إليها الرئيس السوري بشار الأسد وما سينجم عنها، علماً أن الحديث مستمر عن قمة ستجمع الأسد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل موعد القمة في 19 الجاري.
متصلون بالفريق الداعم لزعيم المردة يتحدثون عن “أننا أمام نصف تسوية قد تصل في الأسابيع المقبلة إلى خواتيم إيجابية”. وقرأت هذه الأوساط في دعوة البخاري لفرنجية “رسالة جديدة” هدفها “تأكيد الموقف السعودي الذي يميل إلى عدم خوض معركة رئاسية في لبنان”. وقالت إن البخاري كرّر أمام فرنجية “عدم وجود فيتو سعودي على شخصه، وعدم وجود فيتو على أحد، وإن الرياض تأمل في انتخاب رئيس جديد في أقرب وقت ممكن”.
لا حظوظ له
تحليلات مصادر معارضة بأن البخاري أبلغ ضيفه أن “لا حظوظ له” وأن اللقاء “ليس رسالة وديّة من المملكة”، ناقضها وصف فرنجية للقاء بـ”الودي والممتاز”، وهو نقل هذه الأجواء إلى حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري وآخرين، مشيراً إلى أن السفير البخاري تعامل معه “بودّ وترحيب كبيرين، وأكد له أن لا فيتو سعودياً على اسمه، وسمع منه أجوبة عن عدد من المواضيع المرتبطة بالأزمة”، وبالتالي، نقل زوار عين التينة أن “الوضع ممتاز”.
أوساط سياسية أشارت لـ”البناء” إلى أنه “بعكس كل الأجواء التي توحي بانفراط عقد التسوية التي دفعت لإنجازها فرنسا، وبالتالي تراجع حظوظ رئيس المردة، لكنه لا يزال المرشح الأوفر حظاً انطلاقاً من قاعدتين: الأولى أنه يحظى بجبهة نيابية عريضة تقارب الخمسين صوتاً، والثانية عدم اتفاق قوى المعارضة والتيار الوطني الحر على مرشح بديل ينافس فرنجية”.
رئيس توافقي لا يشكل تحدياً لأحد
وبعد لقاء فرنجية، حطّ البخاري على مائدة غداء تكتل الاعتدال الوطني في الصيفي في زيارة كانت مقررة في وقت سابق. وعلمت “البناء” أن اللقاء دام ساعتين ونصف الساعة تخلله غداء وبحث مستفيض بالملفات الراهنة، وشرح السفير السعودي للتكتل سياق التطورات على الساحة الإقليمية وضرورات التغيرات في السياسة السعودية تجاه ملفات المنطقة وأزماتها ومدى انعكاساتها على كل دول المنطقة، ومن ضمنها لبنان. ورد البخاري على استفسارات وأسئلة أعضاء التكتل.
وأشارت مصادر تكتل الاعتدال لـ”البناء” الى أن “السفير السعودي شجّع على الحوار بين الكتل النيابية والقوى السياسية والاتفاق على رئيس توافقي لا يشكل تحدياً لأحد”، مشيراً الى وجود إجماع عربي ودولي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وكرر السفير وفق المصادر القول إن لا فيتو على سليمان فرنجية وموضوع الانتخاب بيد اللبنانيين والمملكة لا تتدخل بالشؤون اللبنانية. ولفتت المصادر الى أن التكتل لم يتلقّ أي ضوء أخضر أو إشارة لانتخاب فرنجية أو أي مرشح آخر، والأمر متروك للقوى السياسية ولرئيس المجلس لكي يحدّد جلسة انتخابية وكل كتلة تحدّد موقفها في صندوقة الاقتراع.
لا تضع فيتو على أحد
وأشار وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، الى أن “السعودية لا تضع فيتو على أحد في لبنان وكل مواقفها الأخيرة التي تتعلق بالملف الرئاسي هي لمصلحة لبنان”. وشدّد مولوي، في حديث تلفزيوني على “ضرورة أن يكون لبنان جزءاً من التفاهمات في المنطقة حماية لمصلحته ومصلحة شعبه”، لافتاً الى أنه “لا خبر لديّ أن هناك عتباً فرنسياً على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وكل المرشحين لرئاسة الحكومة فيهم الخير والبركة”.
الراعي الى باريس
الى ذلك يتحرّك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في اتجاه باريس في 2 حزيران المقبل، وفق المعلومات لحث الفرنسيين لإعادة الزخم بالملف الرئاسي بعد الحديث عن جمود فرنسي على هذا الصعيد. وعلمت “البناء” أن الوفد القطري يتحرك على القوى السياسية بتكليف من الأميركيين لمحاولة التوصل الى مرشح توافقي ويجري التسويق لقائد الجيش العماد جوزاف عون. إلا أنه لم يلق موافقة كتل عدة وهناك عقدة دستورية.
تدخل أمريكي سلبي
مصادر فريق 8 آذار اتهمت عبر “البناء” الأميركيين بالتدخل السلبي لتعطيل انتخاب الرئيس وهي تمارس الضغوط على الكثير من القوى السياسية والنيابية لعدم تأمين النصاب لتمرير انتخاب مرشح قريب من حزب الله، متهمة قوى سياسية داخلية بالتماهي مع الضغوط الأميركية للتشويش على انعكاسات التفاهمات الاقليمية لا سيما السعودية الإيرانية والسورية، متوقعة تبلور المشهد الاقليمي والرئاسي في لبنان بعد انعقاد القمة العربية بأيام قليلة، لكون الملف اللبناني سيكون على جدول أعمالها، ولذلك حدّد الرئيس بري مطلع حزيران كموعد أقصى لانتخاب الرئيس.
لملاقاة مستجدّات المنطقة
ورأت كتلة الوفاء للمقاومة، في بيان بعد اجتماعها الدوري في مقرها المركزي برئاسة النائب محمد رعد، أنه “يفترض أن يعمد لبنان إلى ملاقاة مستجدّات المنطقة وما تشهده من توجّهات ومعادلات فإنه لا يزال يكابد، حتى الآن، مخاض انتخاب رئيس للجمهورية يتولى الحكم فيها وفق صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، ويكرّس بأدائه التفاهم الوطني بين اللبنانيين”.
المصدر: موقع المنار + صحف لبنانية