بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً وأهلاً وسهلاً بكم. نتمنى أن تكونوا دائماً – إن شاء الله – يا مجتمعنا العمّالي – إذ أنّكم الآن ثلّة تمثِّل جمعاً غفيراً، والورد المنتخب من سلة ورود هذه المجموعة – مشمولين بالألطاف الإلهية، وأن تُقرُّوا أكثرَ عينَ البلد يوماً فيوماً. إذا ما تقدّم المجتمع العمالي وحُلَّت مشكلاته وارتقى علميّاً وفكريّاً وعُمّاليّاً، فإنَّ عين البلد ستقرُّ بلا بد، وستقرُّ عين الشعب.
كانت كلمة الوزير المحترم كلمة مهمة، وذلك القسم المتعلق بالأعمال التي سيُنجزها لاحقاً، فهو سيبذل جهداً ويُتابع، إن شاء الله، ، وستصل الأعمال حتماً إلى نتيجة، إن شاء الله. ثمة نقاط مهمة في ذلك القسم الذي قال إنَّه أُنجِز؛ لقد أنصتُّ بدقَّة. ما أريد أن أطلبه من السيد مرتضوي – لديه سابقة أعمال جيدة، وقد عمل جيداً في الأماكن التي كان فيها سابقاً – أن يدقِّق في هذه الإحصاءات، خاصة في بعض الأقسام المهمة من قبيل مسألة إيجاد الفرص للعمل. كانت تُنجز أعمال في الحكومات المختلفة، وكانوا يُقدِّمون إحصاءات، ثم لمّا كان المرء يُدقِّق، يرى فيها تساهلاً. فليحاول ألا يكون وألا يصير الأمر كذلك… من قبيل مسألة التأمين، وفرص العمل، والسكن. هذه الأشياء التي ذكرها مهمة بالفعل، هي مهمة جدّاً. فلينتبه أن تكون الإحصاءات دقيقة لأن المسؤول أو الوزير نفسه لا يشرف مباشرة على كل واحد من الأعمال، بل يُقدِّمون إليه تقريراً. احرصوا على أن تكون الإحصاءات دقيقة. إذا كانت هذه الأعمال التي يقول إنّها أُنجزت قد أُنجزت، فقد خُطيَت خطوات مهمة، وهي مغتنمة بالفعل. افعلوا ما من شأنه أن يُطمئن قلوب هذه الجموع العُمّالية الغفيرة في البلاد، وهؤلاء الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات.
أما ما أعددته لأقوله، فهو أن هذه الجلسة التي تنعقد كلّ عام هي أوّلاً من أجل أن يُصدح بقيمة العامل في المجتمع بصوتٍ عال. وهذا ما نروم إليه: أن [تُعرف] قيمة العامل. طبعاً لـ«العامل» مفهوم واسع؛ مقصودي الآن هو هؤلاء العاملون في المؤسسات الصناعية والزراعية والخدمية وما شابه – لست أقصد الباحثين وأساتذة الجامعات و[غيرهم]، فهم أيضاً عاملون بطريقة ما [لكنهم] ليسوا مقصودي حالياً – أيْ أنتم أنفسكم: المجتمع العمالي في البلاد. لا بد من تقدير هذا المجتمع. أصرّ على أن يحدث هذا الأمر. ثانياً تخطر في بالنا أيضاً ملاحظات نريد قولها للمسؤولين والعمّال الأعزّاء أنفسهم أيضاً، حتى نتمكّن من دفع مجتمع العمّال إلى الأمام، إن شاء الله.
سأتحدث عن بعض النقاط حول العمل والعمال والمسؤوليات الواقعة على عاتقنا جميعاً تجاه العمال.
أولاً، من أين نفهم أهمية العامل؟ من أهمية العمل. ما أهمية العمل في المجتمع؟ يُمكن إدراك أهميّة العامل من أهميّة العمل. العمل حياةُ المجتمع، وهو العمود الفقري لحياة الناس، فلا يوجد شيء من دون العمل. الطعام الذي نأكله، والملابس التي نرتديها، والإمكانات التي نستخدمها في الحياة والتي تعتمد عليها حياتنا، هذه كلها نتيجة العمل. مَن الذي يقوم بالعمل؟ العامل. إذن، ما قيمة العامل؟ قيمة العامل هي قيمة حياة المجتمع وقيمة حياة الناس. ينبغي للجميع أن يُدركوا هذا، وعلى العمال أنفسهم الانتباه إلى هذه النقطة: اعرفوا قدر أنفسكم. وسأتحدث عن هذا التقدير أيضاً في ختام كلمتي. لو لم يكن هناك عمل في المجتمع، لظلّت هذه الثروات الوطنية كافة راكدة. حسناً ، نحن لدينا مناجم وإمكانات وأراضٍ ومياه، فإذا كان هناك عمل، فهذه كلها ستكون مصدر بركة؛ ويجري استخراج المعادن ويستفاد من المياه والأراضي وتسير الحياة. لو لم يكن هناك عمل، لبقيت هذه القابليات كلها ميتة وراقدة. إذن، العمل يجعل القابليات تزدهر. هذه أهمية العمل. عندما ندرك أهمية العمل، تصير أهمية العامل واضحة. هذه نقطة. بالدرجة الأولى [يجب] أن نمتلك هذه المعرفة عن أنفسنا وموضوع العامل والمجتمع العمالي.
متى ما أدركنا الأهمية لقضية توفير العمل والتشغيل – طبعاً ما يُطلق عليه الآن التشغيل بمعنى العمل حقاً، فهناك بعض الوظائف التي لا عمل فيها حقاً، ولا ينجم عمل مفيد عن ذلك الوقت الذي يُصرف، فليست هذه التي نقصدها – وإذا كنا نذهب ثماني ساعات أو سبعاً أو خمساً، أو أقل، أو أكثر، إلى مؤسسة ما، فلا بد أن ينجز حقاً خمس ساعات من العمل أو سبع. [إذن]، علينا أن نوفر العمل. توفير العمل مهم من نواحٍ مختلفة. أولاً البلد بحاجة إلى العمل، والمجتمع كذلك، وكما قلنا: [إذا] لم يوجد عمل، فلا توجد حياة. ثانياً يحتاج العامل إلى عمل ليدير حياته. ثالثاً لدى الفرد العامل حاجة روحية. لديه حاجة روحية إلى العمل. خلَق الله المتعالي الإنسان على نحو تجعله البطالة خمولاً، فيما يبثّ العملُ النشاطَ فيه. إذاً، ليست الحاجة إلى العمل من أجل تمضية الحياة فقط، بل نحتاج العمل من الناحية الروحية أيضاً. الفرد بحاجة إلى العمل. رابعاً العمل يمنع الفساد، والبطالة منشأ الفساد. إن كثيراً من أنواع الفساد هذه ناجمة عن البطالة.
قبل بضع سنوات من الآن، قبل ثلاث سنوات أو أربع، بدأنا حركة مع الحكومة آنذاك للتعرف إلى الأضرار الاجتماعية. حتى إنني كنت أشارك شخصيّاً أيضاً في جلسات تمتد بضع ساعات كي يجري العمل بشأن الآفات الاجتماعيّة ويُفكّر فيها. ما توصّلت إليه هو أنّ كثيراً من هذه الآفات الاجتماعية سببها البطالة. الإدمان والسرقة والطلاق والتفكك الأسري أمور مرتبطة بالبطالة. لذا، التفتوا! فلتعلم تلك الأجهزة المسؤولة عن توفير العمل – طبعاً وزارة العمل ليست المسؤولة عن توفير العمل، وغالباً الوزارات الأخرى هي المسؤولة عن هذا – كم أن توفير العمل وإيجاد العمل والتشغيل مهم حقاً للمجتمع؛ فليستثمروا [في هذا الصدد]. هذه نقطة أيضاً.
الموضوع الآخر الذي أريد التحدث عنه بشأن العمل هو أننا نحتاج أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المدخول والعمل، أي [تطبيق] هذه الآية التي تلاها هذا القارئ العزيز: {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم، 39)؛ لا بدّ أن يكون المدخول ناتجاً من السّعي والعمل وبذل الجهود. لا بدّ من تنشئة المجتمع على هذا النحو، وهذا عملٌ صعبٌ جدّاً. ما الذي يعنيه هذا؟ إنّ [طريقة جني] كثير من هذه الأموال السهلة والثروات السريعة هي خاطئة، ولا بدّ أن نقضي على ثقافة تحصيل الثروات السريعة في البلاد. قلت إنّ هذا عملٌ معقّد وطويل الأمد، لكن يجب أن يكتمل. كثيرٌ من هذه الوساطات والصفقات والسمسرات ودفع الرشى وأخذها وأكل الربا في بعض الأماكن والقطاعات الاقتصاديّة للبلاد، والحصول على امتيازات خاصّة عبر التواصل مع الشخص الفلاني، كلّها تؤدّي إلى أن يتمكن شخص من الحصول على مدخول سهل ودون عناء ودون عمل ما، وهذه الأمور كلّها مضرّة بالجمهوريّة الإسلاميّة، فلا بدّ أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المدخول والعمل.
ما قلته لا يعني أنه غداً ستكونون بأنفسكم، أو الجهاز الحكومي أو هذا العبد نفسه، قادرين على إنجاز ذلك؛ أنا أريد أن تنمو هذه الثقافة في المجتمع: ثقافة ربط الدخل بالعمل. الكثير من أنواع التمييز هذه، ومن هذه الأعمال المترفة، ومن هذه الثروات المضرة، التي يرى المرء آثارها في المجتمع، وثمة أشخاص في المجتمع هم مصداق لـ{مُتْرَفِينَ} الذين ورد ذكرهم في القرآن[1]، كثير منها ناتجة من هذا الانقطاع في العلاقة بين الدخل والربح والمكسب. لا يوجد عمل [لكن] يوجد دخل! هذا لا يصحّ، فيجب أن يأتي الدخل من العمل.
إذا حاربنا الفساد، فإننا سوف نتقدم في هذه الثقافة. قضية مكافحة الفساد! ما الفساد؟ الفساد هو الرشوة والمحسوبية والربا. إذن، هذه كلها فساد ومفاسد. كلّ خطوة تُتّخذ تجاه هذه الأمور في سبيل مكافحة الفساد هي خطوة حقيقيّة في مسار التقدّم ضمن إطار الثقافة التي تحدّثنا عنها. طبعاً، قبل قرابة عشرين عاماً قدّمتُ نصّاً مفصّلاً حول مكافحة الفساد. كان ذلك عام 1380 أو 1381 (2001 أو 2002)، أي في تلك المدة[2]. ذكرت في ما كتبته حينذاك أنّ مكافحة الفساد تحتاج إلى المتابعة. وكما يرد في هذه القصص والأساطير هو ثعبانٌ برؤوس سبعة، أو تنينٌ برؤوس سبعة. عندما تقطع أحد رؤوسه تبقى رؤوسه الستّة الأخرى حيّة وتكمل العمل. لا بدّ من المكافحة الشاملة. لو أنّ الحكومات المحترمة والمسؤولين الأفاضل تابعوا هذه القضيّة في ذلك اليوم، لكان وضعنا اليوم أفضل، بلا شكّ. حسناً، لدينا الآن – بحمد الله – حكومة شعبيّة ومجلس شورى ثوري، ويحذونا الأمل أن يتابع هؤلاء مكافحة الفساد.
ما أروم قوله هو أنه لو لم يتجرأ مسؤولٌ ما على التصدّي للمفسد في الداخل، فلن يجرؤ على نحو أوْلى على التصدّي للمتجبّر في الخارج. [مثلاً] الشخص الفلاني الذي يستغل التجارة المحتكرة… حسناً، لا بدّ من صدّه. الأمر صعب. الشخص الفلاني الذي يستغل الائتمانات المصرفية أو الذي لا يسدّد ديونه المصرفية لا بدّ من مواجهتهم. وهنا لو لم تتمكّنوا من المواجهة، فلن تتمكّنوا من المواجهة حيث تصرّ حكومة متجبّرة كأمريكا أو غيرها على أن تفعلوا كذا وألّا تفعلوا كذا في قضيّة الطاقة النوويّة. عندما لا تكون لديكم هنا القدرة على المواجهة، لن تكون لديكم هذه القدرة هناك أيضاً. [القضية] على هذا النحو.
مسألة أخرى حول المسؤوليات تجاه العمال. حسناً، سأكرر الآن مرة أخرى: هذه المسائل التي ذكرها هنا السيد الوزير جيدة للغاية، وهي أعمال مهمة، وغاية الأمر أنه فليُدقِّق لكي تتحقَّق بتفاصيلها أو لتكون قد تحقَّقت بتفاصيلها. المسؤوليات تجاه العمال هي غالباً هذه التي ذُكِرت، وكذلك سأشير الآن بإشارة. كلُّنا نشيد بالعامل عامة. بالطبع إنّ الإشادة بالعامل جيدة، وتُعرِّف الناس إلى مقام العامل، لكنّ الإشادة الكلامية غير كافية. قال [الشاعر]: «جُعلت فداءً لمجاملتك الكلامية»[3]؛ لا بدّ من العمل والسعي والدعم.
من النقاط التي على الجميع معرفتها، وليعرفها المسؤولون الحكوميون كما ذلك المقاول والمستثمر الذي تُناط كثيرٌ من الأعمال برأسماله وإمكاناته، فليعلم الجميع أنّه إذا بُذل السعي بهدف ارتقاء معيشة العامل، فإنّ وضع البلد سيرتقي. حينما لا يكون للعامل هاجس، ويتمتع بالأمن المهني وبالرفاهية، وتدور حياته بسهولة، سترتفع جودة العمل وكذلك المُنتَج. إحدى مشكلاتنا في التجارة العالمية وحتى الداخلية هي جودة المُنتج. إذا كان قلب العامل مُطمئناً وعلم بأنّ حياته تدور بسهولة، وأنّه يتمتع بالأمن المهني، وكان يتمتّع بهناء البال، فسيغدو عمله أفضل، وسترتفع جودة عمله وسترتقي. على الجميع أن يعلموا هذا. لذا، أي جهد يُبذل من أجل الارتقاء بمعيشة العامل هو في الحقيقة جهد من أجل تحسين العمل، ومن أجل تحسين مُنتَج العمل، ومن أجل تحسين البلد، أي هو استثمار. إذا بذلنا جهداً لحل مشكلات المجتمع العمالي، فسنكون في الواقع قد استثمرنا. هذه ليست نفقات بل هي استثمار. فليعلم الجميع هذا. فليعلم المسؤولون في الشؤون المتعلقة بمسؤولي البلاد، أي أعم من الحكوميين أو البرلمانيين أو غيرهم، وكذلك فليعلم هذا أرباب العمل والمستثمرون والمُقاولون أنفسهم وأمثالهم.
من البديهي أنّ الإنتاج هو العمود الفقري للبلاد؛ العمود الفقري لاقتصاد البلاد هو «الإنتاج»، وكذلك العمود الفقري للإنتاج هو العامل. ينبغي ألا نسمح بإضعاف العامل، أي هذا العمود الفقري. قلنا هذا العام، في شعار العام: نمو الإنتاج. لكن كيف يتحقق نمو الإنتاج؟ قسم مهم من نمو الإنتاج يتعلق بالعمال. إذا ما تابعوا العمل بطمأنينة وبحب، فسيحدث ذلك. لذا فلينتبهوا إلى هذه المسألة. المسؤولون المحترمون، كما الذين هم أصحاب الاستثمار وخلق فرص العلم وإنشاء الوُرَش وأمثالهم، فلينتبهوا إلى أنّ من أجل تطوير الإنتاج والوضع [الإنتاجي] عليهم أن يروا ارتقاء معيشة العامل أصلاً مهماً.
ثمة نقطة أخرى هي الحصول على حصة عادلة من عائدات العمل، وقد أدرجنا في سياسات الاقتصاد المقاوم فقرة عن هذا وناقشنا… نوقشت قبل مدة طويلة. يجب إيلاء أهمية لحصة العامل بمكانة أنه رأسمال إنساني – هو مورد ورأسمال إنساني وله أثر أكثر من رؤوس الأموال الماديّة – في تحقيق قيمة لحصيلة العمل. حسناً، وأنا الآن أريد هنا أن أستنتج مسألة من هذا، وهي أننا إذا أردنا أن تزداد حصة العامل من تحقيق القيمة، فعلينا التخطيط من أجل تعليم العامل، وتعليمه المهارات واكتسابه التجارب، وبالطبع، جاء [هذا] في كلام الوزير المحترم أيضاً. يجب أخذه بجدية بالغة. من الطبيعي أن ترتفع كثيراً حصة العامل الماهر والمحنّك والمتدرِّب والمُبدع في تحقيق قيمة لحصيلة العمل، وبالمقدار نفسه، ترتفع حصته أيضاً من العائدات. الطبيعي أنّ هذا الآن ليس معناه أننا نريد أن نشكّل جبهة مقابل المستثمر وأمثاله. لا، أنا لا أوصي بأيِّ وجه بهذا. المستثمر والمقاول والعامل يلزم أحدهما الآخر. فإذا لم يكن هذا، فلن يتأتى منه عملٌ، وإذا لم يكن هو، فلن يتأتى من هذا عملٌ؛ كلاهما يحتاج الآخر. ذلك الأمر الذي في إمكانه أن يضمن هذه الحصة العادلة وجودُ الإنصاف ومناخ الإنصاف خلافاً لما كان يرفعه شعاره الشيوعيون، كما أنَّهم لم يكونوا يعملون [به]، بل كانوا يكذبون. كان هؤلاء يشيعون أجواء الحرب والتباينات وأمثال ذلك، وقد تبيّن عمليّاً أنهم يخطئون، وقد كان خطأ بالغاً، كما لم يحققوا شيئاً، وكذلك لم يكونوا ملتزمين عمليّاً. يجب أن تكون حاكمةً أجواءُ الإنصاف والتعاضد والانسجام والاعتقاد بأنَّ الله يرى حتى يتسنّى لهم النجاح. بالطبع، وفي بعض الحالات، تؤدي أدوات الثروة [المنحصرة] في جهة إلى تضييع حق العامل في الجهة الأخرى. يجب الحيلولة دون هذا. ذلك الطرف أيضاً قد تَعْرِض له قيود، فتلك ينبغي إيلاء أهمية لها كذلك. حسناً، أيضاً هذه مسألة.
هناك نقطة أخرى أستنتجها من الموضوع الذي ذكرته، وهي أنّ الارتقاء بقدرات العامل مسؤوليّة. لدينا حديثٌ دوّنته هنا: «مَن ظلمَ أجيراً أجرَه أحبطَ الله عملَه وحرّم عليه ريحَ الجنة». إذا ظلم أحد الأشخاص عاملاً ومارس الظلم بحقّه في قضيّة أجره ومدخوله، فإنّ أعمال الخير كلّها التي فعلها ستحبط وتزول – الإحباط يعني الفناء والزوال – ويحرّم عليه ريح الجنة. سيُحرّم الله المتعالي على هذا الإنسان رائحة الجنّة! إنّ الأمر على هذا النحو. حسناً، إذن، ما هذا الظلم؟ هل الظلم ألا يدفعوا له أجره فقط؟ بالطبع، نعم، هذا ظلم كبير، لكن ليس هذا فقط؛ إنّني أحتمل أنّ الامتناع عن اتخاذ إجراءات في مجال هذه القضايا، مثل التأمين، ومثل الصحة، ومثل تحسين المهارات، ومثل التعليم، ومثل إغلاق المجال للإبداع، هذه كلها ظلم أيضاً. فإذا كنتم تريدون ألا يُظلم العامل، فعليكم توفير الوسائل والأرضية لتحسين مهاراته، وتوفير قضايا الضمان والتأمين والصحة، وقضية السلامة الأسرية، وقضية الأمن الوظيفي، لأن غياب هذه الأمور ظلم في الواقع. حسناً، هذه نقطة أيضاً.
هناك نقطة أخرى لعلّها تكون آخر نقطة في كلمتي، وهي أنّ المجتمع العمّالي كان حتّى اليوم مجتمعاً وفيّاً للثورة الإسلاميّة والنظام. لاحظوا، هؤلاء أنفسهم، أربعة عشر ألف شهيد، هم في الواقع أربعة عشر ألف راية شرف وفخر بأيدي العمّال. هؤلاء الذين استُشهدوا – أنا إذ أطالع سيَر الشهداء [أعلم هذا الأمر] – بعضهم كانوا من العمّال والمعيلين أيضاً، ولديهم ولدان أو ثلاثة أو أربعة كذلك، لكنّهم شعروا بالتكليف ورأوا كيف أنّ العدوّ مارس الهجوم على الثورة الإسلاميّة والبلاد والنظام، فشعروا بالتكليف وتركوا هؤلاء بكفالة الله وخاضوا ميدان الحرب واستُشهدوا. طبعاً، أضعاف عدّة منهم ذهبوا أيضاً وهم أحياء بفضل الله، ولم يُستشهدوا كذلك، لكنّ [رقم] أربعة عشر ألف شهيد ليس مزحة.
في رأيي، إنّ أهمّ علامة على وفاء المجتمع العمّالي للنظام هو أسلوب عملهم خلال هذه العقود القليلة الماضية. في بداية الثورة الإسلاميّة، كانت هناك مساعٍ للجماعات داخل البلاد، وكانت الجماعات تحاول وهدفهم أن يجرّوا العمّال إلى الشوارع وتُعطّل الورش ويُطاح بالثورة الإسلاميّة. لقد كان هذا من فعل تلك الجماعات. ثمّ بعد ذلك صار موضوع الجماعات على الهامش تدريجيّاً، وخاض هذه القضيّة المغرضون أساساً، ولا يزال هذا الأمر مستمرّاً حتى اليوم، وهم حرّضوا وعملوا على جعل مجتمع العمّال يقف في وجه النظام بشعارات سطحيّة وغير واقعيّة. مجتمع العمّال أثبت فطنته، وهذا مهمٌّ جدّاً. إن مجتمع العمّال لا يتأثر بهذه الدعايات التلفزيونيّة والإذاعيّة والفضاء المجازي وما إلى ذلك كله، ولا يفعل ما يريده أولئك، وهذا – في رأيي – الجهادُ العظيم لمجتمع العمّال، وله قيمة كبيرة. لقد أثبتوا فطنتهم أمام هذه التحريضات.
لقد سعوا كثيراً لجعل مجتمع العمّال يقف في وجه النظام ولم يتمكنوا – بحول الله وقوته – وهم يحاولون الآن وسيحاولون بعد الآن أيضاً، ولن يتمكنوا الآن ولا في المستقبل أيضاً، بحول الله وقوّته. طبعاً، كانت هناك دائماً اعتراضات في البيئة العمّالية. بعض هذه الاعتراضات كانت – ضمن حدود اطلاعي – اعتراضات في محلّها. الاعتراض على التأخير في دفع الرواتب والتسليم الخطأ [للمصانع]! أحياناً يسلّمون مكاناً ومجمع عمل مهمّاً بطريقة غير صحيحة وعلى نحو فاسدٍ ومُفسد. العامل هناك يعترض فهو يرى من كثب. هذا عون للحكومة والنظام. إنه إطلاعٌ للنظام. وحيثما دخلتْ في مثل هذه الحالات الأجهزة المسؤولة والسلطة القضائيّة وغيرها وتابعت القضيّة، وجدت أنّ الحقّ مع هؤلاء. لكن في هذه الصدد أيضاً حيث كنت مطّلعاً على عدد من هذه القضايا من قرب أو من بعيد، رسم مجتمع العمّال في هذه القضايا حدوداً مع العدوّ. لم يسمحوا للعدوّ أن يستغلّ الاعتراض في القضيّة الفلانيّة داخل المجمع الفلاني؛ نعترض على ذاك الفعل لكنّنا نكره العدوّ أيضاً ونحن أصدقاء مع النظام ونؤازره. كذلك هي حركة العمّال.
هناك نقطة أخرى أودّ عرضها مرّة أخرى – أشرت إليها في البداية – حول قضيّة إيجاد [فرص] العمل: لا بدّ لمسؤولي البلاد أن يفكّروا بتدبيرٍ للشباب المتعلّمين المتعطلين عن العمل. لدينا كثير من الشباب، وهناك فئتان منهم لا بدّ من التفكير من أجلهما بجدّية. الفئة الأولى هؤلاء الشباب المتعلّمون العاطلون عن العمل وأنا أطّلع على لقاءات القسم الشعبي لدينا مع العائلات ويسلّمونني تقاريرها أيضاً. افترضوا أنّ هناك شخصاً متعلّماً في اختصاص معيّن ولديه [شهادة] الدراسات العليا أيضاً وهو الآن يعمل عملاً سطحيّاً جدّاً، أي لا يؤدي العمل الذي يناسبه. لدينا من هذا القبيل ولا بدّ من التفكير في هذه الأمور، هذا عملٌ مهمٌّ جدّاً.
هؤلاء ثروة البلاد ويجب ألا يبقوا بلا عمل. هذه فئة. هناك فئة من الشباب الذين لا يسعون وراء الدراسة ولا العمل. لا بدّ فعلاً لأصحاب الرأي في السياسة والاجتماع والاقتصاد أن يجلسوا ويفكّروا بتدبيرٍ لهؤلاء ويساعدوا الحكومة. لا بدّ من التفكير في هؤلاء. للأسف، لدينا [أشخاص] من هذا القبيل داخل البلاد: الشباب الذين لا وظيفة لديهم ولا يسعون للعمل ولا يدرسون. لا يدرسون كذلك. لدينا عددٌ لا يُستهان به من أمثال هؤلاء. هذا شابٌ أيضاً وهو ذخر ولا تنبغي خسارته. عليهم حقّاً أن يفكّروا بتدبير لهؤلاء، وهذا العمل الذي لا بدّ لأصحاب الرأي في المجالين الاقتصادي والإنساني أن يقوموا عليه.
على أيّ حال، إنّ نظرتي إلى المجتمع العمّالي هي من جهة نظرة إشادة وتكريم – أكنّ لكم في قلبي الاحترام والكرامة بمعنى الكلمة – ومن جهة، أعتقد بضرورة أن تجري حركة ملموسة في البلاد على مستوى الحياة العماليّة، وأسأل الله أن يحدث ارتقاء بالجهود التي يبذلونها، ومن جهة أخرى إنني أشيد من أعماق القلب بالمجتمع العمّالي بسبب صموده مقابل العدوّ ورفضه الاستسلام لتحريضاته، وأتمنّى وآمل لكم الخير والبركة. أسأل الله المتعالي أن يحفظكم ويبقيكم وأن يرضي عنكم جميعاً القلب المقدّس لصاحب العصر والزمان والروح الطاهرة للإمام الخميني (قده).
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: موقع الامام الخامنئي