بعد انتهاء الهدنة الرابعة اليوم الخميس، يقف السودان أمام مرحلة يبدو أنها ستشهد مواجهات ساخنة وحاسمة في مسار الصراع الذي مرّ عليه أسبوعان تقريباً، خصوصاً مع أنباء عن استقدام الطرفين (الجيش وقوات الدعم السريع) تعزيزات عسكرية. يأتي ذلك في وقت تُبذل فيه مساع لدفع الأطراف المتحاربة للتفاوض وإرساء وقف دائم لإطلاق النار، إذ ينشط الحراك الدبلوماسي إقليمياً ودولياً في محاولة للدفع باتجاه بدء المفاوضات في ظل تحذير الأمم المتحدة من أن الصراع قد يمتد إلى دول في المنطقة.
وفي اليوم الأخير من الهدنة، اندلعت اشتباكات في نقاط عدة بالخرطوم، وتصاعدت أعمدة الدخان في محيط القصر الرئاسي وفي الخرطوم بحري، وتزامن ذلك مع تحليق للطائرات الحربية. وقالت قوات الدعم السريع إن الجيش قصف معسكرها في منطقة كافوري.
وبالتزامن، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور. هذا وكشف الجيش السوداني أنه دفع بتعزيزات عسكرية إلى العاصمة، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع في أم درمان والخرطوم تحاول نقل عملياتها إلى منطقة شرق النيل.
وفي مقابل التعزيزات التي استقدمها الجيش من مدن عدة تحسبا لجولة جديدة من القتال، جلب الدعم السريع بدوره قوات إضافية من المناطق الغربية والجنوبية الغربية.
تدهور الوضع الإنساني
وفي غضون ذلك، ترتفع حصيلة ضحايا الاشتباكات التي بدأت في 15 أبريل/نيسان الجاري، وتشهد الأوضاع الإنسانية مزيدًا من التدهور في ظل نقص حاد في المواد الأساسية وانقطاع للكهرباء والمياه عن مناطق عدة بالخرطوم.
وفي السياق، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إن المنظمة تتوقع “الكثير” من الوفيات في السودان بسبب تفشي الأمراض ونقص الخدمات الضرورية في ظل القتال العنيف، موضحاً أنه “تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ربع الأرواح التي زهقت حتى الآن كان من الممكن إنقاذها من خلال إمكانية السيطرة على النزيف بصفة أساسية. لكن المسعفين وأطقم التمريض والأطباء غير قادرين على الوصول إلى المدنيين الجرحى كما أن المدنيين غير قادرين على الحصول على الخدمات”.
وتقول المنظمة إن “المعارك أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 459 شخصاً وإصابة أكثر من أربعة آلاف”، موضحة أن 16 بالمئة فقط من المرافق الصحية تعمل في العاصمة السودانية. وتجري منظمة الصحة العالمية تقييماً للمخاطر لتحديد ما إذا كان الاستيلاء على مختبر في الخرطوم يمثل خطرا على الصحة العامة نظرا لأنه مكان تتوافر فيه مسببات الأمراض.
وبالتوازي، يتواصل إجلاء الرعايا الأجانب من السودان، لا سيما عبر مطار وميناء مدينة بورتسودان، وذلك وسط مخاطر أمنية متزايدة.
عرض للتفاوض
أعلن الجيش السوداني موافقة قائده عبد الفتاح البرهان المبدئية على مبادرة من منظمة “إيغاد” (الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا) تضمنت مقترحات لحل الأزمة الحالية، في حين لم يصدر أي تعليق من الدعم السريع.
وحسب الجيش السوداني، فإن المقترحات تتضمن تمديد الهدنة 72 ساعة وإيفاد ممثلين عن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى عاصمة جنوب السودان (جوبا) للتفاوض. واستبعد وزير خارجية جنوب السودان دينق داو أي حوار مباشر في الوقت الراهن بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
بدورها، تجري واشنطن اتصالات مع طرفي الصراع ومع الاتحاد الأفريقي سعياً لتمديد الهدنة.
من جهته، أعلن قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أنّه بحث مع وزير الخارجيّة السعودي فيصل بن فرحان الملفات المتعلقة بالأزمة السودانية، واصفاً النقاش بـ “المثمر”. وأضاف “شرحت للوزير السعودي أبعاد هذه الأزمة والأسباب التي أدت إلى قيامها، والهدنة التي تم الإتفاق عليها لفتح ممرات إنسانية للمواطنين والمقيمين من الجاليات الأجنبية”.
وأعرب عن شكره للحكومة السعودية على “إهتمامها المتواصل بقضايا شعبنا وحرصها على أمن وإستقرار السودان والمنطقة”، على حد تعبيره.
مقتل أميركي وأكثر من 50 دولة تسابق الزمن لإجلاء رعاياها
أعلن قال البيت الأبيض اليوم الأربعاء إن أمريكياً ثانياً لقي حتفه في السودان وإن “الولايات المتحدة تقدم المساعدة لعدد صغير من الأمريكيين الراغبين في مغادرة البلاد في ظل الاشتباكات المستمرة على الرغم من تراجع العنف بشكل كبير على ما يبدو”.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض للصحفيين إن إدارة الرئيس جو بايدن تواصل العمل مع طرفي الصراع لتثبيت وقف إطلاق النار من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية.
وأردف قائلا “نناشد كلا من الفصيلين العسكريين” الالتزام بوقف إطلاق النار “وتمديده” مضيفا أن “مستويات (العنف)… يبدو بشكل عام أنها انخفضت كثيرا”. وأضاف “المستويات تراجعت لكننا نريد أن نرى المستويات عند الصفر”.
تأتي تصريحات البيت الأبيض في وقت احتدم فيه القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية على مشارف العاصمة الخرطوم رغم هدنة تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ 11 يوماً.
وقال كيربي إن بايدن “طلب (توفير) كل خيار يمكن تصوره لمساعدة أكبر عدد ممكن من الأمريكيين”، موضحاً أن الولايات المتحدة تعمل “بنشاط على تسهيل مغادرة عدد صغير نسبياً من الأمريكيين” الراغبين في الرحيل. وأضاف أن بعض المواطنين الأمريكيين وصلوا إلى بورتسودان لإجلائهم من هناك وأنهم يتلقون الدعم.
من جهة ثانية، تواصل الدول الغربية والعربية، والتي تخطى عددها الـ 50، عمليات إجلاء رعاياها من السودان مستفيدة من الهدنة. وتشهد عمليات الإجلاء قيادة السعودية لأضخم عملية نقل لرعايا أجانب من أحد البلدان في تاريخها، بينما تشارك الإمارات في نقل رعايا نحو 19 دولة من السودان، قالت إنها ستستقبلهم على أراضيها قبل نقلهم إلى بلدانهم.
هذا وأجلت بعض الدول آلاف الدبلوماسيين والمواطنين في الأيام القليلة الماضية. كما غادر سودانيون مع مواطني الدول المجاورة بأعداد كبيرة.
وقالت السلطات المصرية إن أكثر من عشرة آلاف شخص عبروا حدود البلاد من السودان في الأيام الخمسة الماضية، كما دخل تشاد ما يقدر بنحو 20 ألف شخص. وفر آخرون إلى جنوب السودان وإثيوبيا على الرغم من الظروف الصعبة هناك.
المصدر: موقع المنار