في كلمته خلال المحاضرة الرمضانية مساء يوم الجمعة 7-4-2023، رد الامين العام لحزب الله السيد نصرالله بشكل سريع على بعض من يدعو للتقسيم في لبنان عبر طروحات عنوانها “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”، وأكد السيد نصرالله ان مثل هذا الكلام هو “حكي فاضي لا يجوز ان يُصغى إليه ولا يجوز أن يقال..”. وشدد على ان “خيار الجميع في لبنان العيش سويا رغم كل الخلافات، وأي خلاف سياسي هو خلاف مرحلي تتم معالجته..”. وأوضح ان “التجربة التاريخية والواقع يقول ذلك..”.
الواقع ان في لبنان تنوعا كبيرا طائفيا ومذهبيا، والطائفية السياسية تتغلل في كثير من تفاصيل الحياة اليومية في مختلف المناطق، كما يتم إعطاء الخلافات السياسية في كثير من الأحيان أبعادا طائفية كي يتم حشد الناس حول بعض الخيارات والقرارات التي يتخذها هذا الزعيم أو ذاك، إلا أنه يجب التنبه ان المسائل في حقيقتها هي خلافات سياسية ويجب إبعاد الكلام الطائفي عنها، والعمل على البحث عن مخارج واقعية وقانونية ودستورية تنتشلنا من هذا التأزيم المفتعل من قبل البعض للبحث عن رصيد شعبي في بعض المراحل الانتخابية او المفصلية للقول إن فلانا يحمي حقوق طائفته، بينما هم يبيعون الناس أوهاما، في حين ان الأصح هو البحث عن مصالح الوطن وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية المحدقة به.
ولعل العلاج الأقرب للواقع هو ما نص عليه الدستور اللبناني في المادتين 22 و95 عندما أكد على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ومن ثم العمل على انتخاب مجلس للشيوخ تتمثل فيه كل العائلات الروحية (الطوائف في لبنان)، وأعطى لهذا المجلس صلاحيات للبت بالقضايا المصيرية بما يحفظ حقوق الطوائف كلها (كبيرة وصغيرة)، كما أمن المصلحة العامة للجميع من خلال وجود مجلس النواب المنتخب على أسس غير طائفية، وبالتالي يجب البدء فعليا للخروج من البوتقة الطائفية عبر الانتقال الفوري للبدء بمرحلة إلغاء الطائفية السياسية وإبعاد الطائفية عن المناصب الإدارية والسياسية وجعل الدخول الى الوظائف وإعتلاء المناصب الرسمية على اختلافها يقوم على أسس الكفاءة والنزاهة والشفافية.
والحقيقة ان اللبنانيين رغم كل ما مرّ في تاريخهم من مشاكل ونزاعات تطورت الى إقتتال مسلح في بعض المراحل وكان آخرها الحرب الأهلية البغيضة التي استمرت منذ العام 1975 حتى 1990 وانتهت بُعيد اتفاق الطائف الذي أوقف صوت الرصاص والمدافع ودفع الى تعديلات دستورية هامة كرست في الدستور اللبناني والكثير منها ينتظر التطبيق السليم لها، رغم كل ذلك عاد الشعب اللبناني للتعايش باحثا عن أفضل السبل لإقامة العلاقات المشتركة فيما بين مكوناته، والواقع يؤكد انه رغم الخلافات السياسية – التي لم تنته او تتوقف في يوم من الايام – إلا ان اللبنانيين في مختلف المناطق يعيشون جنبا الى جنب ويواجهون نفس المشاكل والصعوبات والاخطار.
ومن مصاديق هذا التعايش بين اللبنانيين، مواجهة صعوبات الأزمة المعيشية معا بدون تفرقة بين مكون وآخر، فهذه الأزمة والضغوطات لا تفرق بين لبناني وآخر، والحصار الاميركي مستخدما الفساد الداخلي لا يستثني أحدا بل يزيد من الصعوبات على الجميع، وللتذكير ان اللبنانيين بكل مذاهبهم وطوائفهم واجهوا في العام 2006 العدوان الصهيوني على لبنان وفتحت المناطق وبيوتها للمهجرين من مختلف المناطق التي تعرضت للعدوان، في صورة أكدت مدى التلاحم وقدرة اللبنانيين على العيش سويا بدون أي قيود.
إذا، نزولا عند حقائق الواقع والتاريخ والمنطق والعقل لا بد من الركون الى ان لبنان هو وطن لجميع أبنائه، والابتعاد عن مزايدات او شعارات لتحقيق شعبية مرحلية، والبحث عن المخارج التي تحقق مصلحة الوطن وتخرجه اليوم من أزماته، ولعل المدخل الى ذلك هو بالتفاهم والحوار لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية قادر على التواصل مع الجميع لتشكيل حكومة قادرة على العمل والانجاز.
المصدر: موقع المنار