يعاني لبنان من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة منذ أكثر من 3 سنوات، تشتد بسبب الحصار الاميركي، والبحث في أسبابها يقودنا بالتأكيد الى انتشار الفساد في كثير من مفاصل مؤسسات الدولة واستفادة الادارة الاميركية من هذا الفساد للتحكم اكثر وشد الخناق على اللبنانيين والضغط عليهم للحصول على مكاسب معينة في الكثير من الملفات التي تخدم مصالحها ومشاريعها في لبنان والمنطقة، بما يصب ضمنا في خدمة كيان العدو الاسرائيلي خاصة ان الادوات الاعلامية والسياسية التي تخدم هذا المشروع الاميركي لا تتوقف عن التصويب وتحميل المسؤوليات للمقاومة والجهات الحليفة لها.
بالمقابل، ترفض القوى المؤيدة للمشروع الأميركي الدعوات لفك الحصار الذي تفرضه واشنطن على لبنان والتوجه الى جهات داعمة وفتح قنوات استثمارية مع دول وجهات اخرى غير الولايات المتحدة الاميركية ومن يدور في فلكها، كتلك الدعوات المتواصلة منذ سنين للانفتاح على دول كالصين وروسيا وغيرهما ممن قد يستثمر داخليا ويفتح أبواب الحلول لمختلف الازمات اللبنانية، لكن دائما كان الرفض سيد الموقف.
والحقيقة ان منع لبنان من الانفتاح على غير الولايات المتحدة والدول الغربية التي تلتزم بقرارتها وسياساتها، يأتي ليس من باب تحقيق مصالح هذه الدول فقط بقدر ما هو للتحكم بشكل مطلق بلبنان وشعبه والتلاعب بالقرارت السياسية لهذا البلد بحسب ما تشتهيه الدوائر الاميركية، وبالتالي هم (الأمريكيون) من بوابة الاقتصاد يريدون مواصلة التحكم بنا، وانطلاقا من ذلك فإن فتح باب التحرر الاقتصادي من السطوة الاميركية الغربية ومن معها من دول الإقليم والتمرد على السياسات الاقتصادية الغربية سيشكل فرصة لتنويع الخيارات الاقتصادية المالية الاستثمارية في مختلف المجالات، بما يصب حكما في مصلحة لبنان وشعبه لا في مصلحة منظومة من المافيات المتحكمة في كثير من مفاصل الاقتصاد والتي تحتكر -بدعم أميركي واضح او ضمني، عبر زعماء ومسؤولين طالما تحالفوا مع الغرب- سلع ومواد أساسية ومن بينها الطاقة والمحروقات والمواد الغذائية والأدوية وغيرها من المواد.
وفي السياق، قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته خلال حفل تأبين الحاج حسين الشامي “لا خلاف أن أحد أسباب تقوية الاقتصاد هو بجلب الاستثمارات، وها هو الصيني جاهز ومستعد للبدء بمشاريع بدون أن يدفع اللبناني أي فلسٍ بدون خوف من الأميركي أو الصعوبات الاقتصادية.. اليوم منطقة الخليج كلها تتجه شرقا وها هي السعودية قد دعت الرئيس الصيني للرياض وأقامت ثلاثة قمم لاجله وتتحدث الأرقام عن استثمارات بمئات ملايين الدولارات”. وسأل “لماذا في لبنان الى هذه الدرجة هناك خوف وبطء؟”. وتابع “هذا الموضوع ليس فقط عند رئيس الحكومة بل عنده وعند القوى السياسية”. وأكد ان “هذا لا يحتاج سنوات من الجدل البيزنطي بل الى قرار وشجاعة سياسية”.
وفي نفس الإطار، سأل نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم “متى ينتهز لبنان الفرصة للتمرد على الضغط الأميركي الأوروبي فيحضر الكهرباء 24/24 بواسطة الصين ضمن نظام BOT؟ ومتى ينسِّق لبنان بجرأة مع سوريا لعودة النازحين إلى بلدهم؟”. وتابع “لقد ساهم الغرب في انهيار بلدنا بالعقوبات وفرض النزوح ولم يبقَ ما نخسره، فأي موقف وطني شجاع سيعكس الاتجاه”. واوضح “خَبِرنا الشجاعة بموقف المقاومة وشعبها فاستعدنا حدودنا البحرية ونفطنا وغازنا”. واضاف “فلنستفد بعكس الاتجاه في إعادة نظرنا كلبنانيين في مقاربة قضايانا لنخرج من دوامة التنافس في فضاء الإعلام”.
من جهته، قال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين “حقيقة يجب ان تقال ويجب ان يعرفها الجميع، ان الانهيار الاقتصادي هو احد نتائج ارتباط اقتصاد لبنان بالغرب فقط”. وتساءل “هل تريدون ان تعيدون الكرّة من جديد؟”. وتابع “نحن ندعو الى الانفتاح على كل ما يمكن ان يؤمن مصالح لبنان”. واضاف “لعل المناخ الاقليمي الذي ساد خلال الايام الاخيرة بين السعودية وايران يكون مناسبة وفرصة لان يتوازن البعض، لان يفهم البعض الامور بشكل عقلاني، لان يفكر بشكل موضوعي، ولان توجد هذه المناخات دفعا جديدا لمعالجة هذه الامور”.
وبالتالي، هل تصب الانفراجات الإقليمية بالتعاون بين الدول في إطار دفع البعض للتفكير جديا بما يخدم لبنان لا بما يرضي أميركا ومن يدور في فلكها، والعبرة دائما يجب ان تكون مصلحة لبنان وجلب الإستثمارات إليه ومن أي دولة شقيقة او صديقة، لا وضع فيتوات على دول وترك الباب مفتوحا امام غيرها، وطالما كانت الدعوات لا تتوقف بضرورة فتح الأبواب مع الشرق وخاصة الصين وروسيا، وغيرها من الدول ذات القوة الاقتصادية الكبيرة.
ليبقى السؤال لماذا التمنع عن الانفتاح بالتحديد على الصين بكل ما تملكه من إمكانات ستساعد حتما في انتشال لبنان من أزماته، خاصة ان الصين هي صاحبة مبدأ “حوار وتنمية” فهي دائما تعمل على الابتعاد عن المشاكل والحروب وتتوجه فقط الى التنمية والإنماء والبناء والاستثمارات بما يحقق النفع لجميع الأطراف، وفي حالتنا الراهنة لو جاءت الصين واستثمرت في لبنان فهناك الكثير من المجالات للعمل والتطوير، وبالتأكيد هي ستكون مستفيدة كما ان لبنان سيستفيد من المشاريع التي ستنفذ.
والحقيقة ان البحث عن مصلحة لبنان هو الأولوية التي لا يجب ان تعلوها أي مسألة اخرى خاصة في ظل ما نعانيه من صعاب يومية، ومن أهم المسائل التي تخدم مصلحة الوطن اليوم السعي لانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإنجاز الاستحقاقات وإنهاء الشغور الرئاسي وما يستتبعه ذلك من تشكيل حكومة قادرة على وضع لبنان على سكة الحل لإخراجه من أزماته.
المصدر: موقع المنار