في ظلّ تسارع المسار التشريعي في الكنيست لإقرار الخطة القضائية، إرتفعت حدّة الاحتجاجات، وخرج إلى الشوارع عشرات آلاف الصهاينة ضدّ حكومة نتنياهو وخطتها القضائية. الاحتجاجات التي سُجِّلت في أنحاء متفرقة من الكيان واتسمت بالعنف ، لاسيّما من جهة الشرطة، ترافقت مع استمرار الائتلاف الحكومي في إقرار قوانين وبنود الخطة القضائية.
وبالتوازي مع صراخات الاحتجاج، أقرّ الائتلاف الحكومي بالقراءات التمهيدية مقترحات قوانين تصبّ في خدمة نتنياهو وخطته القضائية من جهة، وتُأجِّج الشارع المعارض من جهة ثانية.
ولعل أبزر ما لفت الانتباه في التظاهرات ، وأثار خشية المراقبين، كان ارتفاع حدّة العنف المتبادل بين المتظاهرين والشرطة التي استخدمت، للمرّة الأولى “قنابل صادمة” [صوتية] ومدافع رشّ المياه، ونفّذت “إعتقالات عنيفة”، ما أدّى إلى سقوط مصابين وجرحى.
النبرة العالية للخطاب الانقسامي في الشارع، معطوفاً على مشاهد العنف ، دفعت المستوى السياسي إلى تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليّات عمّا يجري على الأرض.
وفي تصريح استثنائي، جرى الإعلان عنه مسبقاً، انتقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المُحتجين، بالقول: “لن نقبل بالعنف ضدّ عناصر الشرطة، إغلاق طرق وخرق واضح لأنظمة الدولة”. وأضاف: “حق التظاهر لا يعني الحق بالفوضى”.
في المقابل، أثارت إنتقادات نتنياهو للمحتجّين وتلميحه بأنّهم فوضويون، ردود حادة من رئيس المعارضة يائير لابيد، الذي سارع إلى شنّ هجوم مضاد مُفنّداً تصريحات نتنياهو حيث قال : “الفوضى الوحيدة هنا هي من صنع الحكومة، التي فقدت السيطرة عليها… نتنياهو الذي أعطى المتفجرات لبن غفير للعب معه كان يعلم أنّ ذلك سينتهي بانفجار. إنّني أدعو مفوّض الشرطة إلى تجاهل محاولات الوزير بن غفير السياسية والخطيرة وغير المسؤولة لتسخين المنطقة أكثر ”
وعلى المستوى الميداني، انتقدت مصادر في الشرطة، المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي والقيادة العليا في لواء تل أبيب، بسبب استخدام القوّة وقنابل صادمة ضدّ المتظاهرين، واتهموا “شبتاي” بمحاولة إرضاء وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي وفقاً لمُعلّقين: “وجّه الشرطة إلى استخدام القوّة ضدّ المتظاهرين”.
وفي السياق عينه، إنتقد الإعلام الصهيوني “تدخّل بن غفير في عملية الشرطة للتعامل مع التظاهرات، حيث أنّه وبعد وقتٍ قصير على بدء التظاهرات، وحتّى قبل بدء المواجهات أصدر بياناً وصف فيه المتظاهرين بالفوضويين”.
أمر آخر جذب الأضواء الإعلامية أمس، تمثّل في قيام المتظاهرين بمُحاصرة زوجة نتنياهو، سارة، أثناء تواجدها في صالون تجميل في “تل أبيب”، الأمر الذي استدعى تدخّل الشرطة لإخراجها بعد نحو ثلاث ساعات من الحصار.
دعوات للتهدئة
في ظلّ الهرج والمرج الذي ساد الموقف في الشارع أمس، وفي أعقاب الخطاب العنيف الذي ملأ المنابر والمنصّات، طرح أعضاء كنيست من الائتلاف والمعارضة [للمرّة الأولى منذ بداية الأزمة]، مُبادرة جديدة دعوا فيها الطرفين إلى قبول اقتراح التسوية وفقاً لصيغة الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ.
وأصدر أعضاء كنيست من حزبي “الليكود” برئاسة نتنياهو، و”معسكر الدولة” برئاسة غانتس، دعوة مشتركة للاستجابة إلى مقترح هرتسوغ . وجاء في مسوِّغات المبادرة أنّ “إسرائيل تواجه حالياً تحدّيات كثيرة ومعقّدة في مجالات المجتمع والاقتصاد ومكانتها الدولية، وتواجه هجمات والتحدّيات خطيرة، وتحدّيات أمنية أكثر خطورة من أي وقت مضى”.
وفي الموازاة، أعلن رئيس “معسكر الدولة” المُعارض بني غانتس أنّه تحدّث، أمس، مع نتنياهو ورئيس الكنيست، وطلب منهما إغلاق قاعة الكنيست إلى أن تهدأ الأجواء. وبعدها “نذهب سويّة إلى رئيس الدولة”. وأضاف “أنّ التاريخ لن يُسامح من لا يحاول منع حرب أهلية”.
من جهة ثانية، جدّد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تحذيراته من تبعات الانقسام والاستقطاب الحاد، على خلفية الخطة القضائية، وقال: “نحن منقسمون ومتخاصمون أكثر من أيّ وقت مضى، كلّنا ملزمون بالتعهّد بأن لا ننقسم إلى شعبين وأن لا نعيش في دولتين”. وأضاف: “يمكن أن نتدهور إلى هاوية سحيقة وفي المقابل يمكننا أن نتوصّل إلى حلّ بتوافق واسع”.
تحذيرات الخبراء
ترافقت أحداث أمس، مع موجة جديدة من التحذيرات والانذارات من عواقب الاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد الذي وصل إليه الوضع، بشكل أساس على خلفية مُعارضة الخطة القضائية واندفاع الائتلاف في إجراءات إقرارها في الكنيست.
وفيما حذّر رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، من أنّ “هذه الحكومة المقيتة نجحت في دهورة أمننا القومي خلال الشهرين الأخريين إلى الحضيض وربّما الأخطر في تاريخنا”. وأضاف أنّ “إسرائيل على حافّة التدهور ويمكن أن نصل إلى حرب أهلية في غضون أسابيع”.
من جهته، قال قائد شعبة العمليات السابق في الجيش ، اللّواء احتياط طال روسو، إنّ “إسرائيل تسير نحو التدهور، وإذا لم نوقف هذا ونبدأ بحوار سنكون في فوضى، فنحن بدأنا بتخريب البيت ونسير بخطوات متسارعة نحو الجدار”.
ولفت رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، ورئيس شعبة الأستخبارات السابق، تامير هايمن، إلى أنّ من الصعب الفصل بين التحدي الداخلي القائم الذي يُهدّد المِنعة والوحدة الاجتماعية وبين التهديدات الأمنية الخارجية.
المصدر: اعلام العدو