نص الخطبة
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾.
نعزيكم ونعزي المسلمين بذكرى وفاة السيدة زينب الكبرى (ع) التي مرت في 15رجب، وبذكرى شهادة الامام السابع من ائمة اهل البيت(ع) وهو الامام موسى الكاظم(ع) التي تصادف في 25 رجب، فهذه المناسبات هي من المناسبات المؤلمة والمحزنة، كما ونعبرعن حزننا العميق للضحايا الذين سقطوا في زلزال تركياوسوريا، ونسال الله ان يدفع البلاء والمكروه عنا وعن شعوب هذه المنطقة التي يكفي شعوبها ما تعانيه من حروب وحصار وعقوبات وظلم من جراء سياسات وارهاب اميركا واسرائيل في هذه المنطقة .
عندما يقف الانسان أمام هول ما حصل من دمار وضحايا بسبب زلزال تركيا وسوريا، والتي وصلت ارتداداته الى لبنان، وأحدثت خوفا ورعبا وقلقا لدى الكثير من المواطنين، قد يتساءل الكثير من الناس، هل هذا النوع من الكوارث الطبيعية هو شكل من اشكال العقاب الالهي للبشر بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وبعدهم عن الالتزام بالدين والقيم وممارستهم للمنكرات والسيئات؟؟! هل ان الله يعاقب الشعوب بالزلازل والأعاصير والفيضانات فتكون الكوارث الطبيعية هي نتيجة ما ارتكبوه من منكرات وسيئات ومعاصي؟؟! مثل هذه التساءلات تطرح عادة عندما يواجه الناس احداثا وكوارث من هذا النوع.
والحقيقة هي ان حركة الكون محكومة لنظام عام ، وكل شيء في هذا الكون يسير وفق ذلك النظام والسنن التي خلقها الله في هذا الكون، والقرآن الكريم يؤكد على ان حركة الكون تمشي وفق نظام دقيق، وكل الموجودات والافلاك والكواكب والاجرام السماوية ومنظومة الكائنات فيه تخضع لذلك النظام، كقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يس: 38-40. ويقول تعالى في آية أخرى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ الى غير ذلك من الآيات التي تؤكّد على أنّ حركة الكون تسير وفق نظام وقانون محدد، فلا فوضى ولا عبث ولا ارتجال في حركة الكون، بل نظام دقيق وقانون صارم لا يتخلف عنه اي كائن في هذا الوجود، و كل الظواهر الطبيعية والكوارث كالزلازل والأعاصير والفيضانات التي تحصل في الكون او على الارض وتسبب اضرارا بالغة احيانا في الأنفس وفي الممتلكات هي داخلة في اطار حركة الكون ومنبثقة عن نظامه وخاضعة لقوانينه ولمنظومة العلل والاسباب التي تحكم حركته.
الكوارث الطبيعية والزلازل هي جزء لا يتجزء من منظومة خلق الارض، ومن لوازم الطبيعة التي لا تنفصل عنها،هي جزء من تكوين الارض حركتها وحركة الطبقات الارضية والتفاعل الذي يحصل في باطن الارض، فاهم سبب للزلازل كما يقول علماء الجيولوجيا هو الاصطدام الذي يحصل احيانا نتيجة حركة طبقات الارض في الاتجاهات المخالفة، حيث ان العلماء يقولون بأن الزلازل ظاهرة تحدث في الكرة الأرضية يومياً، فطبقاً للدراسات الحديثة يقع ما يقرب من ثلاثة ملايين زلزال وهزة سنوياً، بمعدل ثمانية آلاف زلزل يومياً، أي زلزل واحد في كل إحدى عشرة ثانية. حيث يحدث اصطدام في باطن الارض نتيجة لحركة الطبقات في الاتجاهات المخالفة، فتحصل الزلازل بسبب ذلك.
ويتحدث العلماء اليوم عن خطوط وفوالق في الكرة الأرضية، معروفة بالفوالق الزلزالية في العالم، وبالتالي فان الزلالزل التي تحصل في بعض بلدان العالم هي نتيجة هذه الاسباب والعلل الموجودة في اصل تكوين الارض والخاضعة لنظام الكون العام وحركة الكون العامة..
البعض قد يقول لماذا لا يحذف الله الكائنات او الطبقات الارضية التي تصطدم ببعضها وتسبب الكوارث والشرور والمصائب والاضرار الجسيمة في بعض المناطق من صفحة الارض والكون؟؟ لماذا لا يفصل هذه الاشياء التي تحدث الشرور والمصائب عن الخير، ليبقي الخير وحده فقط في الكون ؟! والجواب: انه لا يمكن حذف الشرور والمصائب من الكون، وعدم وجود الكوارث يعني عدم وجود الكون نفسه، لأن أجزاء الكون وموجودات الكون كل واحد مترابطة ببعضها ولا يمكن تجزئتها وفصلما هو خير منها عما هو شر، فلا يمكن مثلا فصل طبقات الارض التي تصطدم ببعضها وتسبب الزلازل عن باطن الارض، لان وجود هذه الطبقات داخل في اصل تكين الارض ووجود الارض فهي ضرورية لتكوينها وبدونها لا وجود للارض، وهي بحد ذاتها خير وليست شرا مطلقا، ونسبة الشر التي فيها هي من اللوازم الدائمة لوجودها الحقيقي، فلا يمكن فك وفصل نسبة الشر فيها عن خيريتها، وهذا مثل رف السيارة او دولاب السيارة فهو ضروري لحركة السيارة لكن اذا اصطدمت السيارة بشيء وطار الدولاب او الرف وقتل انسانا او ألحق به ضررا ، فهل يمكن ان نقول لماذا صانع السيارة وضع فيها دولاب او رف او هذا الشيء او ذاكوانه كان من المفروض ان مثل هذه الاجزاء عن بقية أجزاء السيارة ؟! لا يمكن ذلك بالتأكيد، لان الدولاب وكل اجزاء السيارة هي داخلة في تكوين السيارة وهي مترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها والا لما صارت السيارة سيارة. كذلك بالنسبة للكون والارض، فان الارض واجزاء الارض وطبقاتها لا يمكن فصلها وتفكيك ما يمكن ان يصطدم من اجزائها ويحدث شرا وضررا عن الاجزاء الاخرى، بتعبير اخر لا يمكن فصل ما فيه شر عما هو خير، لان هذا الشر هو بحد ذاته خير بالنسبة الى نفسه وفيه شر بالنسبة الى غيره ولا يمكن فك شريته عن خيريته، لانهما مترابطان وغير قابلين للفصل والتفكيك وتفصلهما وتفكيمهما يساوي عدم الوجود وان لا تكون الارض هي الارض ولا الكون هو الكون.
كذلك مثلا: الله سبحانه وتعالى وضع نظاما للخلق للولادة وللتناسل البشري، وهذا النظام كما ولّد اعظم مخلوق على هذه الارض وهو محمد بن عبدالله(ص) ولّد ابو لهب الذي هو من اشر خلق الله، لا نستطيع ان نعترض على الله ونقول لماذا خلق الله ابو لهب؟! لان نظام الخلق كل واحد ومترابط غير قابل للتفكيك، وكما يولد الطيب يولد الخبيث، ومثل الارض الخصبة ايضا فنها تنبت الثمرات الطيبة التي تنفع الناس وتنبت العلقم الذي يضر الناس، وكما تنبت الورد تنبت ايضا الشوك الذي يجرح الناس ويؤذيهم، فلا يمكن القول لماذا خلق الله الشوك وكان ينبغي ان يخلق الورد فقط !! او كان ينبغي ان يفصل الورد عن الشوك فلا يجعل الارض تنبت شوكا بل وردا فقط؟!! لان طبيعة الارض ونظامها واصل تكوينها كما تُنبت وتعطي الثمار اللذيذة والورد فانها تنبت وتعطي الشوك.
اذن الزلازل وكل الكوارث مرتبطة بالنظام الكوني العام ولها اسبابها الطبيعية، وليس بالضرورة ان تكون عقابا للبشر او للعصاة والمذنبين منهم .
البعض يربط بين الكوارث والزلالزل وبين السلوك الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي، ويعتبر انها نتيجة الذنوب والمنكرات وانها بمثابة عقاب للناس على ما يرتكبونه من كفر او معاصي او منكرات في حياتهم. فيقال: إنّ الكارثة التي حلت بهذه المدينة أو هذا الشعب إنّما هي بسبب كفرهم، أو أن الله أنزل بهم العذاب؛ لأنهم مذنبون، لكننا نرى أنّ هذه الكوارث تصيب المؤمنين كما تصيب الكافرين، ويتضرّر منها الأخيار كما يتضرّر منها الأشرار وتؤذي المؤمنين كما تؤذي العاصين!! فهل يريد الله ان يعاقب المؤمنين ايضا؟!
من الذي يستطيع ان يدعي ويجزم بأنّ هذه الكارثة أو تلك، او هذا الزلزال او ذاك هو عقاب وعذاب إلهي؟!
الاصل في العقاب الالهي ان يكون في الآخرة اما العقاب في الدنيا فليس هو اقاعدة بل هو استثناء .
طبعا من واجب المؤمنين ان يتواصوا بالحق وأن يحذّروا الناس من المعاصي والذنوب، وينذرونهم من غضب الله، لكن لا يصح أن نجزم بان الزلزال الفلاني او الاعصار او الفيضانات التي تحصل في بعض بلدان العالم وتوقع ضحايا هي عقاب الهي وعذاب للناس الذين ابتعدوا عن الالتزام بالدين والقيم، لان هذه الكوارث تصيب الجميع.
القرآن الكريم يؤكّد أن عذاب الله تعالى وحسابه لخلقه على كفرهم ومعاصيهم وظلمهم مؤجّل إلى الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[سورة النحل، الآية: 61].
ويقول تعالى: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.
ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾.
إنّ هذه الآيات وأمثالها ـ وهي كثيرة في القرآن الكريم ـ تؤكد أنّ العذاب والعقاب الإلهي للكافرين والعاصين مؤجّل إلى يوم القيامة، وأنّهم يعيشون في هذه الحياة إمكانية الاستمتاع بثرواتها ولذاتها. وأنّ المعاصي والذنوب والشرك والكفر في هذه الحياة الدنيا لا تستدعي العقوبة الفورية
.اما عذاب الله للأقوام السابقة في الدنيا الذين خالفوا الانبياء وتمردوا على رسالات الله كقوم هود وقوم صالح وثمود، فهو استثناء،وربما يكون لخصوصيات واسباب يعلمها الله ، بدليل أنّ العذاب لم يقع على كلّ أقوام الأنبياء الين خالفوهم وكفروا برسالات الله، فكم من الأنبياء قتلوا، وكم من المجتمعات خالفت أنبياءها، ومع ذلك لم يقع عليهم العذاب؟!!
طبعا هذا لا يعني انه ليس للذنوب والمعاصي تداعيات واثار سلبية على الانسان في الدنيا، فلا شك أنّ المعاصي والذنوب تترك آثارًا سلبية على نفس الإنسان وحياته على الصّعيد الفردي، وبعضها تكون لها آثار وتداعيات ونتائج اجتماعية سيئة ووخيمة.
فالكوارث الطبيعية والزلالزل صحيح انها قد لا تكون عذابا وعقوبة لمن تحلّ بهم، لكنها بالتأكيد هي رسالة لهم ولكلّ البشر، بأن ينتبهوا وان يحذروا وان يلتفتوا إلى قدرة الرّب سبحانه وتعالى وهيمنته على الكون والحياة، وأنّ الإنسان مهما امتلك من قوة وامكانات وعلم ووسائل هو كائن ضعيف بذاته وعاجز أمام التحدّيات والازمات الكبرى ، فلا بُدّ أن يلجأ لربه وخالقه، وأن يحذر من معصيته وسخطه.
خلال الايام الماضية سمعنا الكثير من الأخبار التحذيرية الملفقة عن توقع حدوث زلزال كبير في لبنان بهدف تخويف الناس وبث الهلع في نفوس المواطنين.
الترويج عبر وسائل التواصل لاخبار غير موثقة وبلا تثبت وبث الاشاعات لترويع الناس هو جريمة ، والتخويف حتى عن مزاح هو خطأ وقد يؤدي الى عواقب غير محسوبة. وعلى الاجهزة الامنية ملاحقة كل من يبث أخبارا ملفقة وكاذبة بهدف إدخال الهلع إلى نفوس المواطنين ومعاقبته ليرتدع هو والاخرون عن ذلك.
المطلوب هوطمأنة الناس وليس تخويفها وزيادة القلق لديها، القلق الطبيعي الموجود لدى الناس ربما يكون مبررا نتيجة ما حدث في تركيا وسوريا والمشاهد التي يشاهدها الناس عن حجم الدمار والضحاياة هناك، لكن الاستغراق في التفكير في هذا الموضوع والحديث عنه والتأثر بالشائعات والاخبار يزيد الانسان توترا وقلقا، لذلك على الانسان المؤمن ان يسلم امره لله وان يتوكل على الله وان يلجأ اليه وبعد ذلك ما يحدث فهو يحدث بارادة الله ومشيئته.
ينبغي عدم الخوف والقلق والانصراف الى ممارسة الحياة الطبيعية وعدم التفكيرالدائم بموضوع الزلزال وعدم الاستغراق في الحديث عنه والانشغال بامور اخرى والتسليم لامر الله وطلب الرحمة واللطف والعفو من الله والدعاء بدفع البلاء والمكره عنا وعن كل الشعوب.
اليوم الغرب الذي يدعي الانسانية يكشف عن وجهه الحقيقي المجرد من كل القيم الاخلاقية والانسانية من خلال تعاطيه مع مأساة الشعب السوري بعد كارثة الزلزال فحتى المساعدات الانسانية وامدادات الغوث خاضعة لدى دول الغرب المستكبرة مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا للمصالح السياسية، فهي تسيس مسالة المساعدات الانسانية وتحرم سوريا منها .
التعاطي الغربي مع مآساة الشعب السوري بعد كارثة الزلزال والوقوف موقف المتفرج على النساء والاطفال تحت الانقاد وهم يستغيثون هو اكبر دليل على كذب ونفاق الدول الغربية التي تنادي بالانسانية.
والادارة الامريكية هي أكبر مخادع في هذا العالم، واكثر دولة لا انسانية حيث تعمل على محاصرة الشعوب وتجويعها وممارسة اقصى اساليب الضغط عليها من اجل ابتزازها وفرض سياساتها واملاءاتها وشروطها وهذاما تفعله في سوريا ولبنان وايران واليمن وغيرها من الدول
بشاعة الجريمة الانسانية التي ترتكبها اميركا وحلفاؤها بحق الشعب السوري لن يغطيها القرار الذي صدر عن وزارة الخزانة الامريكية الذي سمح بتقديم معونات مؤقتة ومشروطة لضحايا الزلزال المطلوب هو رفع الحصار والعقوبات عن سوريا والغاء كل مفاعيل ما يسمى بقانون قيصر بشكل كامل لان هذا القانون يساهم في قتل الشعب السوري مرة ثانية بعدما تم قتله بجرائم الجماعات التكفيرية الارهابية التي دفعت بها اميركا الى هذه المنطقة بهدف تفكيكها والسيطرة على مواردها وثرواتها .