لا شك ان الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب/اغسطس من العام 2020 حفر عميقا في المدينة وأهلها وكل اللبنانيين حيث أدى الى سقوط عشرات الضحايا الابرياء بين شهيد وجريح، ودمر أبنية ومنازل بانفجار قل نظيره، وأدخل البلاد في نفق جديد لم نخرج منه حتى الساعة.
لكن المتابع لمسار التحقيق بانفجار المرفأ وما تم التداول به من أنباء حول التحقيقات يمكنه طرح الكثير من التساؤلات والمآخذ حول عمل المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار، والذي لم يرتفع الى مستوى الحدث الجلل، ومن هذه التساؤلات:
-عدم اعتماده معايير موحدة لاجراء التحقيقات والاستدعاءات لشخصيات امنية وسياسية وقضائية، فهو من الواضح انه يقوم بذلك باتجاه واحد بعيدا عن الضوابط القضائية والقانونية، فلو ان الامر له علاقة بالعمل الموضوعي البحت كان الاجدر به استدعاء كل او كثير ممن شغلوا مناصب وزارية وإدارية وأمنية، بينهم رؤساء حكومات ووزراء وقادة عسكريين وأمنيين وقضاة، فلماذا هذه الاستنسابية سواء بما يتعلق برؤساء لحكومات وغيرهم؟
-تصريحات القاضي البيطار لوسائل الاعلام بشكل دائم ومتكرر، بشكل غير مقبول معتاد بالعمل القضائي، لان القاضي عليه الابتعاد عن إبداء التصاريح لوسائل الاعلام وعدم الخوض في اللعبة الاعلامية سواء إيجابا او سلبا بما ينعكس على الواقع الحاصل في البلاد وبما قد يفسر انه يحمل رسائل سياسية او غير سياسية لجهة او اكثر، خاصة في قضية بحجم انفجار مرفأ بيروت، بل القاضي عليه الابتعاد كليا والعمل بعيدا عن الضغوط السياسية والشعبية والاعلامية.
-لماذا غاب القاضي البيطار كل هذه المدة التي تجاوزت السنة من دون ان يبادر للقيام بأي إجراء في ملف انفجار المرفأ ومن ثم عاد اليوم ليتابع عمله، هل هو فعلا كان يعتبر نفسه مكفوف اليد أم لا؟ وهل العودة الى العمل كانت من بنات أفكاره أم لا؟ وهل الاجتهاد الذي بناء عليه عاد للعمل بالملف يصلح لجعله صاحب الصلاحية لاصدار قرارت بإخلاء سبيل بعض الموقوفين دون غيرهم؟ وهل هذا الاجتهاد يجعله صاحب الصلاحية باستدعاء قادة امنيين او قضاة بدون مراعات الاصول الادارية والقانونية المطلوبة؟
-لماذا قام القاضي البيطار بالادعاء على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات؟ علما ان نص المادة 354 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني وضع اصول معينة لملاحقة ومحاكمة مدعي عام التمييز، وبالتالي فلا مجال للاجتهاد بمعرض النص الواضح.
-تمنع القاضي البيطار في نشر التحقيقات التقنية التي تساهم الى حد كبير بإيضاح الصورة امام الرأي العام(على الرغم من عدم وجود أي شيء يجبره على ذلك في القانون)، لكن مثل هذا الامر سيسحب فتيل التوتر من الشارع وسيريح أهالي الشهداء ويساعد في فهم كيف تسير خريطة الاستدعاءات كي لا يتهم القضاء وبالتحديد القاضي البيطار في كل تصرف او قرار يصدره انه يتم بناء على خلفيات معينة.
-لماذا استقبل القاضي البيطار الوفد القضائي الفرنسي علما انه من المفترض متوقف عن متابعة العمل بملف انفجار المرفأ منذ فترة طويلة؟ ولماذا استقبل الوفد على مرحلتين إحداهما في منزله مساء خارج مكان عمله وخارج الدوام الرسمي؟ وهل من داع يوجب مثل هذا الامر وهل هناك ما هو مستعجل وضروري لهذين الاجتماعين؟ والاهم من كل ذلك لماذا تحرك البيطار مباشرة بعد اللقاء مع الفرنسيين؟ هل الحماسة الزائدة هي التي دفعته الى ذلك ام ان هناك معطيات مبهمة لم يطلع عليها الراي العام؟
الواقع ان الكثير من الريبة موجودة عند البحث عن إجابات مفترضة حول الكثير من التساؤلات عن الوقائع التي قام بها البيطار، ولا شك ان غموض تحرك الرجل والشبهات التي باتت تدور حول ممارساته ومنها مع العديد من عوائل الشهداء وتصريحاته لبعض وسائل الاعلام، بالاضافة الى محاولات فريق سياسي واضح استثمار انفجار المرفأ والتحقيقات حوله باتجاهات معينة، جعلت الريبة تزيد وتدفع الى التشكيك العلني والواضح في عمل هذا القاضي حتى بين القضاة أنفسهم، وكذلك من قبل جزء من أهالي الشهداء…
المصدر: موقع المنار