وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أمر يقضي بإيقاف مشاركة روسيا في اتفاقية روما الخاصة بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني خروج الأراضي الروسية من تحت صلاحيات المحكمة.
وجاء في نص الأمر الذي نشر، الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني، على البوابة الإلكترونية الرسمية المعنية بنشر التشريعات والمعلومات الحقوقية، أن الرئيس اتخذ هذا القرار استجابة لاقتراح قدمته وزارة العدل الروسية بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهيئات المعنية للسلطة التنفيذية، والمحكمة العليا، والنيابة العامة، ولجنة التحقيق الروسية. وأعطى الرئيس تعليمات بإبلاغ أمين عام الأمم المتحدة بنية روسيا إيقاف مشاركتها في اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تبناها المؤتمر الدبلوماسي برعاية الأمم المتحدة في روما يوم 17 يوليو/تموز عام 1998. وكانت روسيا قد وقعت على هذه الاتفاقية في 13 سبتمبر/أيلول عام 2000، لكنها لم تصادق عليها حتى الآن.
ودخلت اتفاقية روما حيز التنفيذ في عام 2002، وشكلت الأساس لعمل المحكمة الجنائية الدولية، لكن عددا من الدول لم ينضم إلى هذه الاتفاقية، ومنها الولايات المتحدة والصين وأوكرانيا.
وجاء قرار بوتين بعد يوم من إدلاء المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بتصريحات أثارت استياء شديدا في موسكو، إذ وصفت بنسودا الأحداث التي أدت إلى انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا بأنها كانت “حربا شنتها روسيا ضد أوكرانيا”، واعتبرت القرم منطقة محتلة. وذكرت أيضا أن محققي المحكمة يعملون بنشاط من أجل تحديد ما إذا كانت روسيا تتحكم بـ”التشكيلات المسلحة” في جنوب شرق أوكرانيا. ولم تستبعد بنسودا أن تعتبر المحكمة في أعقاب هذه التحقيقات، أحداث الأزمة الأوكرانية صراعا مسلحا تشارك فيه روسيا.
موسكو: الآمال التي كنا نعلقها بالمحكمة الجنائية الدولية لم تتحقق
وفي بيان صحفي صدر عن وزارة الخارجية الروسية، أعربت موسكو عن خيبة آمالها من نتائج عمل المحكمة الجنائية الدولية، موضحة أن هذه المحكمة لم تتمكن من القيام كهيئة مستقلة موثوقة للقضاء الدولي.
وجاء في البيان، أن روسيا تدعو بثبات إلى مساءلة مرتكبي الجرائم الدولية الأكثر خطورة، وهي كانت من مؤسسي محكمتي نورنبيرغ وطوكيو، وشاركت في وضع الوثائق الدولية الأساسية الخاصة بمنع أخطر الجرائم الدولية، ومنها الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الحربية. وانطلاقا من هذه المواقف المبدئية، صوتت روسيا لصالح تبني اتفاقية روما، ومن ثم وقعت عليها في سبتمبر/أيلول عام 2000.
وذكرت الوزارة بأن المجتمع الدولي كان يعلق آماله فيما يخص منع إفلات المجرمين من العدالة في سياق الجهود المشتركة الرامية إلى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتسوية النزاعات، ومنع ظهور بؤر توتر جديدة.
وتابعت الخارجية الروسية: “للأسف الشديد، لم تحقق المحكمة الآمال التي كانت معلقة بها، ولم تصبح هيئة مستقلة وموثوقة للقضاء الدولي”. وذكّرت بأن المحكمة قد تعرضت للانتقادات في العديد من المحافل الدولية، بينها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب أسلوب عملها الأحادي وغير الفعال لدى النظر في القضايا المطروحة.
ولفت البيان إلى أن المحكمة خلال عملها على مدى السنوات الـ14 الماضية، أصدرت 4 أحكام فقط، لكنها أنفقت خلال الفترة نفسها ما يزيد عن مليار دولار.
وأبدى الجانب الروسي في هذا السياق تفهمه لموقف الاتحاد الإفريقي، الذي سبق له أن قرر وضع خطة منسقة لخروج أعضائه من اتفاقية روما.
وأشارت الوزارة إلى أن بعض الدول الإفريقية قد بدأت إجراءات في هذا الاتجاه.
وأعربت موسكو أيضا عن قلقها من موقف المحكمة من الأحداث التي شهدتها القوقاز في أغسطس/آب عام 2008، عندما هاجمت حكومة الرئيس ميخائيل سآكاشفيلي على مدينة تسخينفال المتسالمة، عاصمة أوسيتيا الجنوبية، إذ أسفر الاعتداء عن مقتل عدد من رجال قوات حفظ السلام الروسية المنتشرة في أوسيتيا، لكن المحكمة ردت على الأحداث الدموية بتوجيه الاتهام إلى أفراد قوات الدفاع الشعبي الأوسيتية وإلى العسكريين الروس. وإثر تحقيقات بشأن تصرفات الجيش الجورجي الأوامر التي صدرت عن المسؤولين الجورجيين، أجريت مباشرة بعد انتهاء الأزمة، قررت المحكمة تسليم الملف للقضاء الجورجي، إذ لم تهتم الادعاء التابع للمحكمة بتلك الأحداث على الإطلاق. وشددت موسكو على أنه من المستحيل مواصلة منح الثقة للمحكمة بعد هذه التطورات.