رأى عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي أنّ آية الله الشيخ مصباح يزدي كان جندياً صادقاً ومخلصاً في الثورة التي أطلقها الإمام الخميني (قدسره)، ومنذ اللحظة التي انتسب فيها إلى الحوزة العلمية الشريفة عمل على قاعدة: كلّما ارتقى في العلم درجة حاز على الصفاء مثلها، فربّى نفسه وهذّبها على بلوغ مرتبة الإنسجام والتطابق بين القول والعمل، وأن تكون حياتُه في خدمة الإسلام، فخرج من أنانية النفس وحاز على مقام الصفاء، فأهّله ذلك ليكون الجندي المخلص في هذه المسيرة، والمسلّمَ لقائدها، معتقداً أنّ نهج الأنبياء هو التسليم المطلق في إطار تبليغ الرسالات السماوية، ومن هنا يظهر التفاوت في رتبة الأنبياء، كذلك زمن الغيبة فإنه (عج) أوكل المهام إلى الفقهاء المتصدّين ضمن الشروط والضوابط، وفي هذا العصر كان يرى العلامة الراحل الشيخ مصباح أنّ الفرد الأبرز والأقدر على القيام بهذه المهمة هو الإمام الخميني فدرس عليه واقتدى به واستفاد من علمه وأخلاقه فرأى فيه العالم الكامل، فسار على طريقه والتزم نهجه قولاً وعملاً ولم يسمح لنفسه حتى بالوسوسة أن يكون له حيّز خاص، بل كان مسلّماً من دون نقاش طائعاً مختاراً. لهذا بنى شخصيّته العلمية والفكرية بما تمكنه من أن يكون الداعي والمبلغ في نجاح هذه الثورة وبناء الكادر القادر على حمل الأعباء ومواجهة التحديات الفكرية والثقافية التي ستواجه مسار الجمهورية الإسلامية فيما يُطلق عليه بالحرب الناعمة.
هذا الإخلاص ظهر جلياً في علاقته بقيادة الثورة والخدمات التي قدّمها لهذه الثورة المباركة، حيث اعتبر رحمه الله أنّ المجتمع يحتاج إلى خطاب يُوضّح له أهداف الثورة ويبني له شخصيته الفكرية والعقائدية، لذلك درس رحمه الله أيضاً على السيد محمد حسين الطباطبائي والشيخ محمد تقي بهجت، فهؤلاء الثلاثة جمعوا إلى الفقه والأصول الفلسفة وعلم الكلام والتفسير والأخلاق، وهذا ماظهر من مجموع مصنّفاته ومحاضراته (رضوان الله عليه)، حيث كانت تجمع بين النظرية والتطبيق، فلم يكن منظّراً على الشعب الإيراني بعيداً عن الواقع وتعاليم أهل البيت ( ع )، لذلك كانت حركته الثقافية هادفة وتُوصل إلى المنشود.
عمل “قدسره” مع قيادة مخلصة في الجمهورية الإسلامية كالشهيد مطهري والشهيد بهشتي والشهيد قدوسي والشيخ جنتي وغيرهم، وهولاء جميعاً كانوا يملكون فكراً نيّراً مضافاً لإخلاصهم الشديد، فقدّموا خدمات جليلة في العلم والمعرفة والتفسير وعلم الكلام والفلسفة مضافاً لمدرسة الأخلاق التي لم تكن مجرد رواية بل كان درس الأخلاق يجمع بين النظرية والتطبيق، فالمخاطبين يشعرون وكأنّ أحداً يقودهم في الليالي الحالكات نحو شاطئ الأمان.
لعلّ أهمّ إنجازات الشيخ مصباح اليزدي، هو بلورة المشروع الثقافي الفكري من خلال تشييد مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، والمصنفات التي درّسها، واستمرت من بعده وسوف تبقى وتستمر نهجاً للأجيال. وممَا صنّفه: ١/ المنهج الجديد في تعليم الفلسفة؛
٢/ النبوة في القرآن الكريم؛
٣/ أنواع الفتن في سفينة النجاة؛
٤/ بارقة في سماء كربلاء؛
٥/ النظرية الحقوقية في الإسلام؛
٦/ دروس في العقيدة الإسلامية؛
٧/ السير إلى الله؛
٨/ أصول المعارف الإنسانية؛
٩/ الغزو الثقافي؛
١٠/ العرفان في الإسلام؛
١١/ معارف القرآن
من هذه العناوين نكتشف اهتمامات الشيخ اليزدي، وأنه قدّم للمكلفين احتياجاتهم الفكرية والثقافية، وأنه لم يكن منظّراً عليهم بقدر ماكان يسعى لتقديم الثقافة العملية للمكلفين التي تجعلهم يعتقدون ويعلمون الحق ويسيرون باتجاهه فكراً وثقافةً وجهاداً في الجبهات المختلفة حيث يدعو الواجب، وهذا ماكان يُعبّر عنه الشيخ اليزدي عندما كان يلتقي قادة المقاومة.
ففي إحدى لقاءاته بسيد المقاومة الإسلامية سماحة حجة الاسلام السيد حسن نصر الله، أصرّ على تقبيل يده رغم الرفض الشديد من قبل السيد، أراد ذلك تعبيراً عن دعمه لهذا الخيار والنهج وعن إيمانه العميق بوجوب مقاتلة إسرائيل وكلّ الإحتلالات في المنطقة، وأراد لهذه الصورة أن تكون تطبيقاً عملياً في دروس الأخلاق والإنتماء والإلتزام بنهج الولاية، حيث إنّ أول مايحتاجه المنتمي لهذا النهج هو التخلي عن الذات.
وأما علاقته بقائد الثورة الإمام السيد الخامنئي (دام ظله)، فهذا يظهر من خلال الإحترام الكبير الذي يصرّ فيه آية الله اليزدي على التخلي عن كلّ حيثياته، ليقول: أنا لا كيان لي مقابل الولي الفقيه، وأنّ الذوبان بالقائد هو المعبر الحقيقي للوصول إلى الولاية التامة التي أرادها الله تعالى للأئمة المعصومين (ع)، فبهذه الولاية تكون العبادة صحيحة ويتحقق معها الجهاد ونحوز على الإنتصارات.
المصدر: موقع المنار