منذ أن أظهرت نتائج إنتخابات الكنيست الأخيرة فوز الأحزاب اليمينية الأكثر تطرّفاً في الحلبة الحزبية، والنقاش في الكيان الصهيوني لا يهدأ حول انعكاسات هذه الحكومة على “الدولة” ومؤسّساتها وأداءها في المرحلة المقبلة. ومن أهم هذه المؤسّسات التي يدور السجال حولها، هي مؤسّسة الجيش الصهيوني التي يُنظر إليها كآخر ما تبقّى من المؤسّسات الجامعة.
وفي هذه الأجواء، أثار “السلوك غير المنضبط” لجنود من الجيش الصهيوني، الذي انعكس من خلال عدّة أحداث في القدس المحتلّة والضفة الغربية، سجالاً ساخناً في الكيان، وصل إلى رأس الهرم في المؤسّستين السياسية والعسكرية – الأمنية، على خلفية مواقف وتصريحات عُدّت تحريضًا ضدّ قادة الجيش ، ودعوة للجنود لمخالفة أوامر قادتهم. الأمر الذي دفع برئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخافي، إلى القول إنّه لن يسمح لأيّ سياسي بالتدخّل في قرارات قيادية، أو استغلال الجيش لتقديم أجندات سياسية.
هذا النقاش وإن بقي على نار هادئة طوال الأسابيع الماضية إلا أنّه تأجّج على وقع سلسلة من الحوادث الميدانية التي كشفت واقعاً إشكالياً برأي مُعلّقين وخبراء صهاينة ، وكان أهمّها حادثة الخليل التي توعّد فيها جندي صهيوني نشطاء يساريين يهوداً، أمام الكاميرات، بأنّ رئيس حزب “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية) إيتمار بن غفير سوف يؤدِّبكم ويضع لكم حداً عندما يُصبح وزيراً.
مزاج “بن غفير”:
أعادت حادثة الخليل تأجيج السجال حول واقع وانعكاسات تسييس الجيش الصهيوني، وإلى جانب ذلك برز نقاش حول مدى سريان نموذج “بن غفير” في الجيش الصهيوني والتحديّات التي سيواجهها الجيش في ظلّ حكومة يمينية صرفة يكون فيها بن غفير (وهو المدان جنائياً ومن الأكثر تطرفاً ضدّ العرب) وزيراً للأمن القومي الإسرائيلي، كما “يُعدّ بنيامين نتنياهو الأكثر يسارية فيها”.
وفي خضمّ هذا النقاش رأى مُعلّقون أنّ المزاج الذي عبّر عنه جنود لواء غفعاتي في الخليل من المتوقّع أن يتزايد أكثر عندما تقوم الحكومة، وعندما يجلس “بن غفير” في الوزارة التي خاطها على قياسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. إذ أنّه بحسب الإتفاق الإئتلافي، وزارة الأمن الداخلي ستُوسَّع بوجهٍ خاص لأجله، وستنتقل إليها عدّة أجهزة فرض القانون، بينها سرايا حرس الحدود الـ 18 العاملة اليوم في الضفة الغربية، وسيتغيّر إسمها الى وزارة الأمن القومي.
وفي أجواء هذا النقاش أظهر إستطلاع رأي مُحدّث- للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية- أنّ المزاج الجماهيري الصهيوني العام يزداد عنفاً وتطرّفاً تجاه الفلسطينيين، حيث أظهر أنّ أكثر من نصف الصهاينة (55%) يعتقدون أنّ على الجيش قتل “الإرهابيين” (الفلسطينيين من منفّذي العمليات) حتى بعد أن لم يعودوا يشكّلون خطراً. وتمثل هذه النسبة- برأي مُعلّقين- قفزة عن عام 2018 عندما أيّد 37 % فقط عملية القتل .
جيش أم ميليشيا؟
على وقع التطوّرات والتوقّعات السياسية والميدانية الأخيرة، طفى على سطح النقاش لدى الصهاينة السؤال حول طبيعة الجيش: أهو جيش الشعب أم جيش نصف الشعب؟ وهل هو مؤسّسة جامعة أم ميليشيا سياسية خاصّة.
وحيال ذلك إنقسم المتساجلون إلى إتجاهين عامين: الأوّل يرى أنّ الأحداث الميدانية والسلوكيات التي أظهرها جنود الجيش الصهيوني مؤخراً، ضدّ مدنيين ويساريين يهودا تُثبت أنّ الجيش بات “جيش نصف الشعب”.
في المقابل، يُطمئن آخرون من أنصار الإتجاه الثاني إلى أنّه لا داعي للخوف فلحظة جلوس “الوزراء المتطرّفين الجدد على كراسيهم الجلدية، شهيتهم ستتراجع. سيغرقون في سحر المنصب، عظمة الحاشية، الإهتمام، الأموال، القوّة، قدرة الوصول إلى أسرار الدولة”، وبالتالي سيتعاملون مع الواقع ببراغماتية، وسيكون سلوكهم العام دولتيّاً ومعتدلاً. ويضيف هؤلاء أنّ نتنياهو “البراغماتي والليبرالي”، سيقوم بضبط إيقاعهم، بعد أن يستغلّهم للتملّص من محاكمته، ويؤكّد هؤلاء أنّ هذه الأوضاع، التي تبدو فيها الهوّة شاسعة بين الشعارات الأيديولوجية والممارسة السلطوية ليست جديدة، وأمثلتها كثيرة جداً.
وفي إشارة إلى حدّة المعركة على مسألة تسييس الجيش، أُدخل أهالي الجنود إلى دائرة السجال واستُخدِموا- بحسب مُعلّقين- كأدوات لتغليب وجهة نظر على أخرى. وهذا المنحى يُسهم- برأي المُعلّقين- في “تقويض مكانة القيادة العليا في الجيش، من خلال دقّ إسفين بينها وبين الجنود على الأرض”.
أبعد من ذلك، فقد رأى مُعلّقون أنّ ما يجري هو “محاولة دفع ما يشبه ميني ثورة عسكرية، تسري من أسفل إلى أعلى، وتستند إلى قوى سياسية من الخارج”. وهي تهدف فيما تهدف إليه إلى: “تحويل وحدات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلّة إلى قطيعٍ من الميليشيات لا تخضع تصرّفاته لأيّ نظامٍ خارجي”.
في الخلاصة حذّر مُعلّقون صهاينة من أنّ عمل الجيش الصهيوني كشرطي في المناطق الفلسطينية المحتلّة من شأنه أن “يمزّق الجيش من الداخل”. وأشاروا إلى أنّ حادثة الخليل، هي مجرّد “رأس جبل الجليد وأنّ الآتي أعظم بعد بدء الحكومة عملها”. ولفت هؤلاء إلى أنّ قضية تعامل الجيش مع السكان المدنيين في المناطق الفلسطينية المحتلّة، عربًا ويهودًا، هو ضرر متواصل للجيش. وأشاروا إلى أنّ الخطاب السياسي، عالي النبرة، للنخبة الجديدة الحاكمة تفاقم هذه المشكلة.
المصدر: موقع المنار