أمين أبوراشد
ليس من قبيل الصدفة، أن يكون لبنان ضمن بلدان قليلة في العالم الثالث، مُستبعَداً عن شاشات المونديال، والدوحة التي هي الآن قبلة المليارات من مُحبِّي كرة القدم، يتابعها اللبنانيون عبر أساليب “التسلل” الى المواقع الإلكترونية لإلتقاط اللحظة ومشاهدة المباريات الرياضية، نتيجة الشحّ المالي والفقر في التدبير على مستوى الدولة.
للعالم “موندياله”، ولنا في كل حقبة من تاريخنا مونديال، ولا مجال الآن للحديث عن اتفاق الدوحة عام 2008، لإنشغال قطر بالحدث الرياضي العالمي، ولأن ذهاب اللبنانيين إلى الدوحة يومذاك كان يهدف الى تصحيح بعض اشكاليات اتفاق الطائف الذي حصل عام 1989، والطائف بدوره جاء تصحيحاً للإلتباسات التي حصلت بعد مؤتمري جنيف عام 1983 ولوزان عام 1984، بمعنى، أن للبنان صولات وجولات على ملاعب مونديال العالم من زمان، كون اللعب على أرضه بين أبناء الأرض الواحدة، كانت تنتهي كل مبارياته بضربات الجزاء الترجيحية، دون أن ترجح كفة فريق على الآخر، على قاعدة 6 و 6 مكرر، مع نوع من الغبن يستشعره البعض نتيجة التطبيق الإستنسابي عند كل فريق على حساب الآخر.
لهذا السبب، لا يكاد هذا البلد يخرج من مونديال إلا ويدخل في آخر، وكأن اللعبة تنتظر من يُنهيها بالضربة القاضية، رغم أنها ممنوعة وسط التوازنات التي بدأت المساومة بشأنها في جنيف ومرَّت على لوزان، وشدَّت الرحال لاحقاً الى الطائف وانتهت بالدوحة، دون حسم نتيجة واحدة خلال كل وقت إضافي مُنِح لنا، أو من خلال ضربات الجزاء في المرمى، حيث لكل فريق منطقة جزاء وحارس مرمى.
ولتوصيف واقعنا اليوم، يكفينا خجلاً أمام كل ضيوف الدوحة بمناسبة المونديال، الذين يجمعهم هذا الحدث الرياضي الكبير بكل تلاوينهم، إما مشاركين فيه رياضياً، أو مستفيدين منه على مستوى القطاعات العامة والخاصة، أننا كلبنانيين بعد 14 سنة على اتفاق الدوحة، قد وصل بنا الحال أن نكون من البلدان القليلة في العالم الثالث، الممنوعة حتى عن مشاهدة ما يحصل في قطر وتحديداً في الدوحة من لقاءات رياضية عالمية.
تأخذ الدوحة اليوم رمزيتها الخاصة، كونها استضافت آخر مؤتمرات جمعت الفرقاء اللبنانيين على كل ما لا يجمعون عليه ويجتمعون لأجله، ويكاد الوضع اللبناني حالياً أشبه بمونديال قطر الى أبعد حد:
الفرق الرياضية التي تأهلت للوصول إلى المونديال في الدوحة، لها تاريخها وأداؤها المميز الذي أهلها أن تكون في سباق مونديال 2022، والفِرَق السياسية اللبنانية نجد ان أماكنها محفوظة ضمن نظام المحاصصة دون تقييمها كمؤسسات حزبية وسياسية، لها حق التأهل عبر زيد أو عمرو للسباق الرئاسي، بصرف النظر عما إذا كان زيد يؤتمن على حراسة مرمى الوطن، أو كان عمرو الظهير الأيمن أو الأيسر الذي يُدار له الظهر في حماية الإنجازات الوطنية الكبيرة التي تحققت.
وعليه، إذا كان التنافس السياسي على السلطة في لبنان مسألة مشروعة، والديمقراطية التوافقية تضمن حقوق الجميع، فإن غياب الحكام الدوليين عن إدارة المباريات، لا يعني السماح بالفلتان المُطلق، ولن تحصل فلتات شوط بوصول من لا يستحق، كما يحصل مع الفِرق الرياضية الصغيرة على حساب فِرَق لها تاريخها، والسياسة لا تعتمد المفاجآت الرياضية بقدر ما هي حسابات رياضيات وأرقام إنجازات، وحماية منطقة الجزاء الوطنية لا يُسمح بتشريع دخولها عبر “التسلل” المُخالف للأنظمة والأعراف والوقائع التاريخية، ولتكُن هناك ضربات ترجيح منطقية يُصيب فيها مَن يستحق الوصول الى مرمى حماية الوطن …
المصدر: بريد الموقع