إلى حرب استنزاف طويلة، ومنصة لتبادل الرسائل الميدانية بين روسيا والغرب، تتجه الأزمة الاوكرانية، مع دخول الهجوم الروسي على اوكرانيا شهره التاسع، والذي يترافق مع غياب أي افق للحل السياسي، في وقت تتصاعد فيه حدّة العقوبات والتهديدات المتبادلة بين الطرفين.
دفعات من الأسلحة الاميركية والغربية تصل كييف بشكل مستمر عبر الحدود الغربية، في الوقت الذي تحشد فيه القوات الأوكرانية وحداتها على الحدود مع مقاطعة خيرسون، الخاضعة للسيطرة الروسية جنوبي اوكرانيا، منذ نهاية الأسبوع الأوّل للحرب الاوكرانية.
التحضيرات الاوكرانية لمعركة خيرسون، تأتي ضمن خطة الهجوم المضاد، الذي أطلقته القوات الاوكرانية منذ أسابيع، وتمكنت من خلاله استعادة عدد من المناطق، لاسيما في المقاطعة، مع محاولة عزل الامدادات عن القوات الروسية الموجودة غرب نهر دينبرو، ذلك عبر قصف جسور وخطا للسكة الحديد يمر عبر نهر دنيبرو.
بالمقابل، فإنّ القوات الروسية التي تعزّز تواجدها في المقاطعة تزامنا مع اجلاء السكّان الى الضفّ الشمالي من النهر، تعطي المعركة أهمية كبيرة، نظراً لموقع المقاطعة الاستراتيجي، اذا تشكل ميناءً مهماً علي البحر الأسود، فضلاً عن موقعها على نهر دنيبرو، وتتحكم بالمياه العذبة التي تغذّي شبه جزيرة القرم، كما انّها تشكّل طريقا بريا تتصل جغرافيا بالقرم، ما يجعل أي تقدّم باتجاهها تهديدا مباشرا لشبه لجزيرة، والتي يعدّ حمايتها واحدة من اهداف الحرب الروسية.
هذه التطورات التي تتزامن مع وصول فرقة من القوات الأمريكية المحمولة جوا للتمركز في رومانيا على بعد ثلاثة أميال من الحدود الأوكرانية، لأول مرّة منذ ثمانين عاما، استبقتها روسيا بالتوقيع الرسمي على ضمّ جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين المعلنتين من جانب واحد في اقليم دونباس شرق اوكرانيا، فضلاً عن مقاطعتي خيرسون وازبوروجيا جنوبها، اثر اجراء استفتاءات فيها، قوبلت برفض من الغرب والأمم المتحدة.
التحضيرات لمعركة خيرسون، التي تترافق مع تحذيرات روسية تحذر من استخدام اوكرانيا قذيفة اشعاعية، لم تُذهب الانظار عن التطورات في مقاطعة زابوروجيا، التي تضمّ أكبر محطة كهربائية للطاقة النووية في اوروبا، والتي لا يزال محيطها يشهد هجومات اوكرانية لاستعادتها رغم مناشدة منظمة الطاقة الذرية باقامة منطقة آمنة فيها، فيما شكّلت الادعاءات الاوكرانية والغربية باستخدام مسيّرات ايرانية، مادّة جديدة للتصويب على روسيا وايران، واستهداف البلدين، رغم النقي المتكرر لهذه الادعاءات.
وفي اطار ردّها على الدعم الغربي، وتفجير جسر رئيسي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، اعادت روسيا تكثيف ضرباتها الجوية والصاروخية، على البنى التحتية العسكرية في العاصمة كييف ومناطق مختلفة في اوكرانيا، لاسيما في مدينة لفيف التي تعدّ الطريق الأهم لتدفّق شحنات السلاح الى اوكرانيا، بالتزامن مع قصف خطوط امداد القوات الاوكرانية باتجاه جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، حيث لا تزال المعارك دائرة حول مقاطعة لوغانسك رغم اعلان تحريرها بالكامل من قبل موسكو، والتي تدعم وحداتها قوات الشعبية في جمهورية دونيتسك، لاستعادة الأجزاء التي لا تزال في تحت سيطرة القوات الاوكرانية.
هذه التطورات الميدانية، تركت أثارها على السياسة الدولية، التي لا تزال ترزح تحت العديد من الأزمات لاسيما أزمة الطاقة. فإن كانت أزمة الغذاء بدأت تجد بعض الحلحلة نتيجة مبادرة حبوب البحر الأسود، والتي تسمح لاوكرانيا باستئناف صادرات الحبوب من الموانئ المطلة على البحر الأسود، بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، فإنّ أزمة الطاقة تؤرق دول الاتحاد الاوروبي، على أبواب شتاء يبدو سيكون قاسياً على دول القارّة العجوز، مع انخفاض امدادات الغاز الروسية عبر خطوط أنابيب نورد ستريم الى حدودها الدنيا، لاسيما بعد تسجيل تسريبات على خطوط نورد ستريم التي تربط بين روسيا وأوروبا، عبر بحر البلطيق، والتي استبقت باعلان روسيا ربط الدفع بالروبل بدل الدولار، الدول التي تصفها بغير الصديقة.
وفيما تحاول الدول الاوربية، التعويض عن النقص الحاد في الغاز الروسي، بالبحث عن مصادر أخرى عبر الغاز الأميركي أو المتوسطي، او تخزين الغاز المسال، الا انّ هذه الحلول لا يبدو أنّها ستسلك طريقعها بسهولة، لاسيّما للكلفة العالية، والتجهيزات التي تحتاجها، والتي قد لا يكون بمقدور دول الاتحاد الاوروبي، حلّ هذه المعضلة على الأقل قبل حلول الشتاء، وهو ما بدأ يترك أثاره حتى على الأوضاع السياسية، حيث تُعاني بريطانيا من عدم استقرار سياسي، مع الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء والوقود ، تلك الأزمة التي تنسحب معظم دول الاتحاد الاوروبي.
ولكنّ زيادة أمد المعركة، قادت الطرفين، الى صراع من نوع آخر ذات بُعد اقتصادي – سياسي، تعلو فيه لغة التهديدات والعقوبات الاقتصادية على أي منطق للتسوية السياسية، التي لا يبدو انّها ستنضج الا على وقع تطوّر ميداني كبير، يُحدث خرقاً على الأرض، يدفع بالاطراف للعودة الى سلوك الدبلومسية لايجاد حلول للأزمة.
فهل تكون معركة خيرسون المنتظرة هي السبيل لاحداث هذا الخرق، وهل يستطيع أحد الطرفين أن يحسم المعركة قبل أسابيع قليلة من حلول الشتاء الاوكراني؟، أمّ أنّ الطبيعة سيكون لها الكلمة الفصل، لزيادة أمد المعركة وتعقيداتها، لتعيش فصلاً جديدا بانتظار ربيع قادم، يعكس معه الميدان القدرة لمن يستطيع أن يصمد سياسيا واقتصادياً، ويفرض شروطه وحضوره على الأرض؟.
المصدر: موقع المنار + يونيوز