29-03-2024 07:01 AM بتوقيت القدس المحتلة

فوضى المبادرات.. في دولة العجز والفشل

فوضى المبادرات.. في دولة العجز والفشل

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن المبادرات والمبادرات المقابلة في لبنان تحت مسمّيات وعناوين مختلفة تبدأ بالاستحقاق الرئاسي ولا تنتهي بالانتخابات النيابية.

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن المبادرات والمبادرات المقابلة في لبنان تحت مسمّيات وعناوين مختلفة تبدأ بالاستحقاق الرئاسي ولا تنتهي بالانتخابات النيابية، مرورًا بالتمديد للمجلس وقانون الانتخاب والأوضاع الأمنية في لبنان وغيرها الكثير من الملفات، وأغلب العناوين في هذه المبادرات لا تغني ولا تسمن ولا جدوى منها سوى تضييع وقت وفكر اللبنانيين.

فيكاد لا يوجد طرف أو فريق في لبنان لم يحمل لواء المبادرات (رغم أنّ بعضهم بات يرفض الحوار والجلوس لطاولته)، وبات كل فريق يطرح ما في جعبته من أفكار ترهق كاهلنا وكاهل المواطن بأمور بعيدة عن التطبيق حينا وخيالية أحيانًا، وفي أحيانٍ أخرى قد يسأل سائل هل من يقدم المبادرة نفسه مقتنع بها أساسًا أم أنّ دوره في هذه المنظومة السياسية اللبنانية يوجب عليه فقط التقدم بمبادرة أو طرح ما؟


وفي محاولة بسيطة لسرد أمثلة عن المبادرات أو التحركات التي جرت مؤخرا، يمكننا رصد عشرات النماذج، منها على سبيل المثال لا الحصر:

- مبادرة "14 آذار" الأخيرة للبحث عن حل لأزمة الاستحقاق الرئاسي.
-مبادرة النائب العماد ميشال عون وتكتل "التغيير والاصلاح" للانتخابات الرئاسية والنيابية والتي يجري بموجبها انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة ووضع قانون جديد للانتخاب.

- محاولات الرئيس سعد الحريري فتح أبواب للتواصل في أكثر من اتجاه خلال عودته الخاطفة إلى لبنان.

- الحراك الذي قام به رئيس "اللقاء الديمقراطي" النيابي النائب وليد جنبلاط الذي قام بالعديد من الزيارات من عين التينة إلى بنشعي مرورًا ببيت الوسط والرابية، بالإضافة إلى لقائه الهام مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ناهيك أنّ جنبلاط على تواصل دائم ومستمر مع الرئيس بري في مجمل القضايا، وقد خرجا بمبادرة مشتركة بقيت غامضة قبل أن تُجمَّد لبعض الوقت.

- كما رصدت حركة على نطاق أضيق لحزب "الطاشناق" الذي أجرى وفدٌ منه سلسلة لقاءات مع فعاليات "متنية" ومسيحية بدءا من الرابية إلى بنشعي مرورا ببكفيا، عدا عن اللقاء والذي يعتبر شبه دائم مع النائب ميشال المر.

- بالإضافة إلى ما سبق، يوجد مبادرة لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الرئاسية ومن ثم مبادرة الوزير بطرس حرب في نفس المجال أيضًا، علمًا أنّ كلّ هذه المبادرات دائما تأتي في سياق محاولة إخراج لبنان من أزماته.

- يُضاف إلى كل ذلك دعوة عامة وجهها السيد نصر الله لكلّ الأطراف بفتح التواصل والحوار فيما بينهم سواء ثنائيا أو ثلاثيا أو غير ذلك وتشجيعه حتى على إجراء مصالحات مناطقية في مختلف المناطق اللبنانية، فضلاً عن انفتاح الرئيس بري وتواصله الدائم مع مختلف الأفرقاء اللبنانيين.

ماذا عن الأمور التي تخص المواطن اللبناني وحاجاته، الا تحتاج الى مبادرات؟

وإذا كان مجرد فتح إمكانية التواصل بين اللبنانيين وقياداتهم أمرًا جيدًا أقله لتنفيس أيّ احتقان قد يمر به الشارع أو قد تتسبب به الأزمات التي يمرّ بها البلد أو تلك التي تعيشها المنطقة بشكل عام، إلا أنّ كثرة المبادرات والطروحات الحوارية للشخصيات أو للقوى السياسية جعلت الوضع غير مفهوم بالنسبة الى الناس، فأي مبادرة هي التي ستعتمد وأي مبادرة قد توصل إلى نتيجة في أي مجال من المجالات، وهل تستحق فعلاً كل هذه المبادرات مسمياتها، ذلك أنّ كثرة المبادرات قد تقضي على أيّ فرصة للنقاش الموضوعي الجدي الذي ينتهي بنتائج قابلة أو جاهزة للتطبيق وتؤدي إلى ضياع الأفكار مهما كانت نيّرة ومهمة.

فهل فعلا من يطرح أيّ مبادرة هدفه الوصول إلى إخراج لبنان من الأزمة أم يهدف إلى تضييع بوصلة الحوار وإفشال مبادرات غيره لإبقاء الوضع على ما هو عليه، تعويلا على إضاعة الوقت لتحقيق مكاسب معينة في مواقع مختلفة؟

ولماذا التركيز في المبادرات على مواضيع سياسية مجردة أثبتت التجارب أنها تحتاج إلى توافقات كبيرة داخلية وخارجية، وماذا عن الأمور التي تخص المواطن اللبناني وحاجاته المعيشية والحياتية؟ ماذا عن الكهرباء ومشاكلها التي لا تنتهي، أو بالأحرى ماذا عن أصل وجود الكهرباء في لبنان؟ ماذا عن المياه والجفاف في بلد يمتلك ما يمتلك من ثروات مائية، لماذا لا احد يتكلم في مبادراته عن الحد الأدنى للأجور وغلاء المعيشة وسلسلة الرتب والرواتب وأسعار المحروقات وقوارير الغاز وفواتير الاتصالات والفساد الذي ينخر في صميم الدولة وإداراتها وما بالنا بالطائفية التي هي أساس كل علّة وسبب كل داء في الدولة المريضة العاجزة الهرمة، وغيرها الكثير الكثير من المشاكل التي لا تنتهي ولن تنتهي؟

أكثر من ذلك، لماذا لم تبادر مبادرة واحدة لإعطائنا أو إرشادنا إلى خدمة أو شيء جميل في هذا البلد (غير المناخ والطقس والمناظر الطبيعية بالطبع)، ليبقى السؤال المطروح دائما: ما هو الشيء الجيد الموجود في لبنان وما الشيء (لن نقول المميز) بل الشيء الحائز على مرتبة مقبول أو "لا بأس به" الذي تقدمه الدولة اللبنانية؟

أبو زيد: مهما كانت المبادرات المطروحة فالحل الوحيد والانسب يكون بالحوار

حول كل ذلك أشار الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد الى ان "هناك بعض المبادرات الايجابية التي تصدر عن بعض الاطراف والتي يكون هدفها تخفيف الاحتقان الموجود في البلد واخراجه من أزماته لمواجهة المخاطر المحدقة وتقريب وجهات النظر بين مختلف الاطراف كمبادرة النائب وليد جنبلاط الذي يستشعر الخطر لذلك يعمل على تقريب وجهات النظر وايجاد الحلول "، واضاف "بينما هناك مبادرات اخرى هدفها الاحراج فقط وتضييع البوصلة منها مبادرة سمير جعجع التي لا تحمل اي جديد ولا تحمل اية امكانية لايجاد حل للازمات المطروحة".


ورأى أبو زيد في حديث لموقع "قناة المنار" انه "مهما كانت هذه المبادرات وايا كانت نوايا من يطرحها فالحل الوحيد والانسب يكون بجلوس مختلف الاطراف الى طاولة حوار في ظل هذه الفوضى العارمة من المبادرات او عقد مؤتمر للتفاهم حول كل هذه التناقضات"، ولفت الى ان "هذه التناقضات تعني جميع اللبنانيين فهناك تحدٍّ وجودي يمسّ كيان الدولة ومكونات الشعب اللبناني ويتمثل بالتحدي الآتي من الخارج تحت عنوان داعش واخواتها وتحت عنوان إلغاء الآخر والتكفير".

"فهذا تحدٍّ وجودي لانه يهدد حياة الناس ويهدد بقتلهم والتنكيل بهم"، بحسب رأي أبو زيد الذي اعتبر ان "الاولى اليوم هو رفع شعار الحق بالحياة حتى يبقى الانسان حي ومن ثم نسعى لتحسين شروط هذه الحياة لذلك فهناك مصلحة وجودية لكل اللبنانيين على مختلف مشاربهم للتحاور لانتاج حل للوضع الذي يعيشون فيه"، ولفت الى ان "البداية تكون بمؤتمر للحوار وصولا الى مؤتمر يؤسس للقواسم المشتركة بين جميع اللبنانيين لوضع اسس مشتركة لمواجهة الاخطار والتحديات الجديدة"، رافضا "مبدأ الصفقات التي تدخلنا بمشاكل جديدة أكثر مما توصلنا الى حلول".

وحول الامور المعيشية والخدماتية اليومية للمواطن اللبناني، لفت ابو زيد الى ان "على الحكومة واجب اتخاذ كل القرارات اللازمة لتأمين الخدمات المطلوبة للمواطن في حياته اليومية من كهرباء وماء وغيرها من الخدمات"، واضاف "إلا ان الاساس اليوم هو اتخاذ القرارت التي تسمح لنا بالبقاء على قيد الحياة سياسيا"، ودعا "الى اتخاذ كل القرارت التي تمنع تمدد ما جرى في عرسال وإنهاء الحالة التي حصلت هناك والالتفاف حول الجيش وتسليحه بكل ما يحتاجه وتأمين الغطاء السياسي له كل يقوم بكل واجباته من اعادة الاسرى الى حماية الوطن".

وقال ابو زيد "اليوم هناك حكومة في لبنان تشترك فيها معظم الاطراف يمكنها اتخاذ قرارات لمواجهة التحديات الآتية من الخارج"، وأكد ان "اية مبادرة ان لم تكن صادرة من اشخاص جديين فلا يمكن ان توصل الى نتيجة"، مشيرا الى ان "هناك اشخاصا إلغائيين لا يمكنهم العيش الا بجو التوتر"، معتبرا ان "هؤلاء لا يمكنهم طرح مبادرات للوصول الى حلول".

وسأل ابو زيد "كيف يمكن قبول مبادرات من قبل البعض في ظل تشكيكهم بالجيش ودوره ويساهمون بتدمير الكيان اللبناني"، ولفت الى ان "هؤلاء ساهموا في الوضع القائم في لبنان والمتمثل بغياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة مركبة بشكل غريب وفريد وتعطيل للمجلس النيابي وللانتخابات التشريعية"، مؤكدا ان "التوحد خلف الجيش هو المبادرة المطلوبة والضرورية اليوم وبعد ذلك كل الامور الاخرى تصبح تفاصيل يمكن تحصيلها لاحقا".

بالتأكيد ان الشعارات الايجابية والمبادئ النيرة تبقى كذلك ويمكن لاي كان ان يرفعها، لكن تبقى العبرة بالتطبيق وبكيفية التنفيذ لان مدى نجاح اية مبادرة او اي طرح يكون بصدق وجدية من يطرحها ويطبقها لا بمن يتغنى بشعارات فضفاضة تبقى حبرا على ورق، لذلك ففي ظل فوضى المبادرات التي تعج بها الساحة اللبنانية يبقى الرهان على الوقت الذي سيظهر اي منها سيخدم المصلحة العامة في لبنان وما الذي سيطبق في دنيا الواقع.