29-03-2024 05:09 PM بتوقيت القدس المحتلة

الشيخ المالكي الصوت العالي والحرّ .. في مملكة القهر

الشيخ المالكي الصوت العالي والحرّ .. في مملكة القهر

الشيخ المالكي فتح أوراق التراث والتاريخ، يقول الدكتور فؤاد، وأعاد دراسة المذهبين الشيعي والوهابي من أصولهما المرجعية نفسها، فاكتشف حقائق عديدة عن المذهب الشيعي شُوهت في كتب الوهابية

الشيخ حسن فرحان المالكي«ينبغي أن نترحَّم على جنكيز خان وهولاكو وبقيّة الطغاة قبلهما وبعدهما. كانوا على بدائيتهم ووحشيتهم أكثر إنسانية وأصدق إسلاماً من الطّغاة الجدد في القرن الحادي والعشرين. إنّ ما يحدث هو أفظع ما لحق بالإسلام في تاريخه كلّه. أيها المسلمون، كيف لا تصرخون ضدّ هذا الامتهان؟».

ربما فات الشاعر السوري أدونيس وهو يدلي بهذا الموقف أن هناك من وقف وصرح ضد هذا الامتهان وفي عقر داره ومركز صناعته لقد صرخ عالياً وقال كلمته بجرأة بليغة جعلته يدفع الثمن غالياً وهي حريته..

المحقق والمفكر السعودي الشيخ حسن فرحان المالكي، خرج من عباءة "السلفية الأصولية" بعدما قام بمراجعات شاملة لبعض المذاهب الإسلامية ومنها "الوهابي" ليثبت أن ثمة أزمة تاريخية في الوعي الإسلامي أنتجها العقل الفقهي النصوصي ذو التفسير "الشوفيني" إذ تمادى في تمجيده لذاته على حساب الإسلام العقلاني التعددي..فانبعثت الأصوليات والسلفيات والجهاديات..

يقول الدكتور والباحث فؤاد إبراهيم*، لموقع المنار، إن الشيخ المالكي خطّ لنفسه درباً يحمل راية الوحدة والأخوة بين المذاهب الإسلامية وبأن الإسلام القرآني لا يتحمّل بصفته نصاً مقدساً مفتوحاً على التأويل العنفيات المرتكبة باسمه من جهة، وحصر الرأي بمقولة واحدة تصف نفسها بأنها مطابقة للنص النبوي الشريف..  من جهة أخرى.

إعادة الاعتبار للمذهب الشيعي

ربما يعبّر الباحث الفرنسي أوليفيه روا بموقفه النقدي «يقول القرآن ما يدَّعي المسلمون أنه يقوله»، عن هذا الإدعاء الذي يحجز علوم القرآن ومفاهيمه في وعاء ضيق مقفل الفوهة وإن كانت عبارته الشاملة "المسلمون" قد تعنى حكماً عاماً على المسلمين المعاصرين غير أن التراث الإسلامي في حقبته الذهبية كانت التأويلات القرآنية مفتوحة فيه منطلقة يتحاور مطلقوها فيما بينهم في مجالس العلم والفقه.

الشيخ المالكي هنا عاد إلى فتح أوراق التراث والتاريخ، يقول الدكتور فؤاد، وأعاد دراسة المذهبين الشيعي والوهابي من أصولهما المرجعية نفسها، فاكتشف حقائق عديدة عن المذهب الشيعي، ومنها أن الوهابية والسلفية منذ "ابن تيمية" قدمت كتابات عديدة مشوّهة عن الشيعة وتمّ وصفهم بأبشع الصور. وكان المساهم الأكبر في هذا التزوير "ابن تيمية" نفسه الذي تتطاول على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بأقذع السباب لدرجة ادعائه أنه، أي الخليفة الرابع، لم يستفد منه الإسلام بشيء. فلينظر من يتحدث عن سبّ الخلفاء إلى تاريخ ابن تيمية وسبّه لأمير المؤمنين (ع) !!. هذه القراءة لابن تيمية ولمن تبعه حاربها وعرّاها الشيخ المالكي.

الشيخ حسن فرحان المالكيكما تبدّى للشيخ من خلال القراءة التي أجراها ومعاينته للواقع الظلم التاريخي الذي لحق بالشيعة، ولا يزال، خصوصا في منطقة الخليج، وفي السعودية، ولذلك هو إحساساً منه بالمسؤولية إزاء إخوانه في بلده وانطلاقاً من الواجب الشرعي والإنساني إزاء مكوّن سكاني مظلوم أراد أن يقدّم أمراً مختلفاً لهم مثل التعويض المعنوي والنفسي على أقل تقدير إبراء للذمة فكان منه أن رفع الصوت عالياً ضد اعتقال الشيخ نمر باقر النمر ورأى موقفه أخلاقياً.. وكذلك أبدى انتقاده للخطاب التحريضي الطائفي ضد الشيعة.

وليست هذه المواقف وحدها التي أثارت حفيظة النظام السعودي ضد الشيخ المالكي، فقد عبّر بجرأة متناهية وهو بين جدران الوهابية عن تأييده لموقف "حزب الله" من الحرب في سوريا ومشاركته فيها، والجميل، والكلام لا يزال للدكتور إبراهيم، أن بعض وسائل الإعلام حاولت جرّه ليتخذ موقفاً ضد الحزب فلم يفلحوا .. وكذلك الأمر نفسه في ثورة الحوثيين التي أيدها ورأى أنها هي الثورة الحقيقية وليس تلك المزعومة خلال ما سمي الربيع العربي..

إعادة قراءة التاريخ والتراث الإسلامي على قاعدة حق الأخر

قدّم الشيخ حسن المالكي مجموعة يعتدّ بها من الكتب القيمة، وكلها في إطار مراجعة التراث الإسلامي وتاريخه، طُبع له مؤخراً كتاب يتحدث فيه عن جذور "داعش" التي يربطها بالمعتقدات الوهابية ويؤكد على دورها في تنشئة هذا النوع من الجماعات العقائدية التكفيرية والتنظيمات المسلحة، وكان قد طرح سابقاً كتاباً في غاية الأهمية حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب "داعية وليس نبياً" ينتقده فيه في مسألة تكفير المسلمين وتأسيسه لهذه النزعة.

غير أن للشيخ المالكي مراجعة تاريخية أخرى لا تقل أهمية عن غيرها وهي دراسة عهد معاوية بن أبي سفيان وبني أمية، وما أداه معاوية من دور خطير بانحراف الأمة الإسلامية، وكشف كيف أن هذه الحقبة التي تمجّدها السلفية الوهابية غيّبت وجود الإمام علي (ع) حتى لم يُعترف به خليفة للمسلمين .. الشيخ المالكي قام بتصحيح هذا الواقع التاريخي وإعادة الاعتبار لمرحلة تاريخية شكّل الإمام علي (ع) ركناً أساسياً فيها. إلا إنه لم يفقد بوصلة الوحدة الإسلامية وقيمها وهو يقوم بكل هذه المراجعة التاريخية.

حتى المناظرات التي كان يخوضها مع السلفين، سواء في النداوت أو على شاشات الفضائيات، كان بمثابة انتصار في عقر الدار يحققه عليهم، فقد كانت حججه قوية ودامغة يناطحهم بما أتى في كتبهم هم أنفسهم. إلى جانب ذلك خلال أي حوار سلاحه كان البحث والتحقيق. فالشيخ حسن معروف عنه صرفه أوقاتاً طويلة في متابعة كل مسألة وقضية معتمداً على المرجعيات الأصلية. وهذا أغاظهم بالفعل في بلد لا يعترف بالتعددية المذهبية والثقافية والفكرية وليس لديه آلية لضبط الحوار الفكري والديني والثقافي، فالموجود هو صخب مذهبي وطائفي. فمجيئ محقّق مثل الشيخ المالكي من داخل المؤسسة يقدم هذه المراجعات المهمة إلى درجة أنها تقوّض بعض المعتقدات الأساسية التي يتمترسون خلفها صعّب عليهم تحمّل مثل هذا الفكر النقدي ..

"الوهابية" فهم بشري وليس مقدساً

الشيخ حسن فرحان المالكيالشيخ المالكي لديه قناعة راسخة في أن الاستمرار قدماً في تلك المعتقدات السلفية التكفيرية تعني تواصل الانقسامات والتصدعات والتوترات الاجتماعية والسياسية، مما يؤدي إلى انفجارات مذهبية وثقافية وأمنية، أو ليس جلياً ما يحدث في سوريا والعراق وأخيراً الهجوم الوحشي في حادثة الأحساء في السعودية؟!.. من هنا الحاجة ملحة لتقديم قراءة جديدة لهذا التراث والتاريخ، ويقول الدكتور إبراهيم إن المالكي أراد نزع رداء القداسة عن هذه العقيدة، فهو يتعامل معها بصفتها فهماً من الأفهام أو تأويلاً من التأويلات من الاجتهادات التي قدمت عبر التاريخ للنص الديني، مثلها في ذلك كل القراءات والاجتهادات الدينية التي قدّمها العلماء وأصحاب المذاهب المختلفة.

وبلاغة هذا الرأي أنه يلغي الاعتقاد السائد بأن ما جاء به محمد عبد الوهاب مطابق للكتاب والسّنة النبوية. وكان من شأن هذا الاعتقاد أن ألغى أفهام الأخرين واجتهاداتهم ونزع نحو احتكار الحقيقة الدينية، وتالياً يستبطن إفناء الأخر واستئصاله ..

في الختام يرى الدكتور فؤاد إبراهيم أن اعتقال شخصية بمقام الشيخ المالكي تثير الشك والريبة في صدقية الحكومة السعودية حيال ادعائها محاربة الإرهاب والتيار التكفيري، فهي من المفترض أن تعامل الشيخ على أنه جزء من هذا المسعى خصوصاً أنه داعية للوحدة الاسلامية والوطنية بين أبناء الشعب السعودي، ومشروعه هو إحياء فكرة التعددية والتسامح والنظر إلى المسلمين عموماً بشكل إيجابي ابتداء وليس نظرة إلغاء أو كراهية ..وهو ليس لديه أي انتماء سياسي أو مذهبي. من هنا لم يطالب به أحد حتى الأن مع مضي حوالي الشهرين على اعتقاله..

أوطاننا بحاجة إلى المئات لا بل الملايين أمثال الشيخ حسن من أجل إنقاذ الأمة من هذا الاختراق البشع لوعها وإرادتها وثقافتها وتاريخها ..اليوم الشيخ فرحان يجب أن يتحول إلى تيار ومدرسة وإلى جماعة عابرة للجماعات والطوائف "وأعتقد أن هذا ما نأمله في الأيام القادمة .."..

* الدكتور فؤاد إبراهيم باحث وناشط سياسي