تمّوز..، بين قِمَم لبنان و”قِمَم العرب”.. – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

تمّوز..، بين قِمَم لبنان و”قِمَم العرب”..

تموز-آب2006
أمين أبوراشد

بعض الإعلاميين الذين قاموا بتغطية القِمَّة العربية الأخيرة في نواكشوط، لفظ العشرات منهم كلمة “قُمَّة” بضمّ القاف التي تعني “القُمامة المكدَّسة” بدلاً من كلمة قِمَّة بكسر القاف، ونحن لسنا في وارد تلقين اللغة العربية لمن لا يتقنها جيداً، طالما أن العروبة عن بكرة أبيها تُهرول نحو الإضمحلال، وأن العاصمة الموريتانية نواكشوط استضافت القِمَّة العربية الأخيرة لسببٍ واحد فقط، أن المغرب رفض استضافتها.
ولسنا أيضاً بوارد مناقشة إنعقاد هذه القِمَّة داخل خيمة أُعِدَّت لهذه الغاية، بدلاً من صالات وفنادق الخمس نجوم التي اعتاد عليها القادة العرب، طالما أن معظم هؤلاء القادة كانوا غائبين عن قِمَّة نواكشوط، وطالما أن مقررات قِمَمم العرب هي نفسها، سواء اجتمعوا تحت خيمة أو في القُصور.

ولأن قِمَّة نواكشوط صادفت في الخامس والعشرين من تموز، ولأن شمس تموز يخشى العرب مواجهتها، نقِف بشموخٍ وكرامة على إحدى قِمم لبنان، في مواجهة كل “قِمَم العرب” ونسرِد ملخصاً عمَّا حصل منذ عقدٍ من الزمان في مثل هذا اليوم من تموز 2006 خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، عندما كان بعض العرب يتوسَّلون التدخُّل الأميركي ويتسوَّلون الرضا الصهيوني:
في 25 تموز 2006، أغار الطيران الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، وللمرة الثالثة على “مجمّع سيّد الشهداء” وعلى “مسجد القائم” في محلة صفير، مع غارات عنيفة على بنت جبيل أحالت أكثر من 55 منزلاً إلى ركام، وعلى ثلاثة مبانٍ في بلدة حاريص فدمّرها على رؤوس قاطنيها، ووزّعت المدفعية الإسرائيلية قذائفها على محيط بلدات: خربة سلم، قلاويه، برج قلاويه، صفد البطيخ، الجميجمة، برعشيت، كونين، الطيري، صف الهوا، حاريص، تبنين، طيردبا، البازورية، باريش، الحوش، وسواها من عشرات القرى والمواقع والمراكز الخيرية، ومنها مجمع “جمعية الإمداد الخيري” ودمّرته، وألقت الطائرات مناشير على بلدة إبل السقي وفي سهل الدردارة تدعو السكان فيها إلى مغادرة منازلهم وعدم الاقتراب من مراكز حزب الله.

في نفس الوقت، قصفت البوارج الإسرائيلية بلدات: الناقورة، الحنية، القليلة، المنصوري، العزية، جبال البطم، زبقين مجدل زون، رأس العين، البياضة، شيحين، المعلية والحمرا، وأُفيد أن نوعية الصواريخ التي أُطلقت على الخيام كانت أصداؤها غريبة، وقوة انفجارها بالغة، بحيث أدّت إلى تهديم مركز المراقبين الدوليين القريب من معتقل الخيام الذي دُمِّر كلياً، وقُتِل أربعة ضباط دوليين، وقُصِفت بلدة كفرشوبا بالقذائف الفوسوفورية، وشُوهدت حرائق عدّة تندلع من داخلها، وطال القصف بالقذائف العنقودية مزرعة شانوح، وحلتا، والماري، والمجيدية، وكفرحمام، والهبارية، والفرديس، وعين عرب، والوزاني، ومجرى نهر الوزاني وصولاً إلى سردة، وأطلقت دبابة “ميركافا” قذائف مسمارية على مزرعة بسطرة، وعلى محور باب الهوا وكفرشوبا.

في ذلك النهار المشحون بالحقد الإسرائيلي، أطلّ قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله، وأكَّد عبر شاشة “المنار”، أن المواجهة مع إسرائيل دخلت مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد حيفا، “وإذا تطورت الأمور سنختار الزمان للانتقال إلى ما بعد ما بعد حيفا”، وقال سماحته: “إن الحرب قد تمّ التحضير لها منذ سنة في إطار ما أسمته وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس “الشرق الأوسط الجديد”، وأن الخطة الإسرائيلية كانت تقضي بشن حملة برّية للسيطرة على منطقة جنوب الليطاني، وفي الساعات الأولى يتولى سلاح الجو الإسرائيلي ضرب مقرات ومراكز ومؤسسات حزب الله والبنى التحتية، لشل حركة البلد وتحريض الشارع اللبناني ضد المقاومة وإفقادها القدرة على المبادرة، موضحاّ أن هذا السيناريو كان سينفذ في أيلول أو تشرين الأول بذريعة الأسيرين أو من دون ذريعة، مشيراّ الى أن المشروع الذي قامت على أساسه الحرب هو إعادة لبنان إلى حالة أسوأ من 1982 و17 أيار وأنهم أرادوا للبنان الخروج من تاريخه وثقافته ليصبح أميركياً وصهيونياً”.

ووسط صمتٍ عربي مشبوه، حذَّر الرئيس الإيراني يومذاك محمود أحمدي نجاد في اليوم نفسه، أن “العدوان الإسرائيلي على لبنان سيقود إلى عاصفة عاتية تضرب الشرق الأوسط بصورة مؤلمة”، و أعلنت عشر فصائل فلسطينية بينها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، أنها وضعت إمكاناتها وطاقاتها بتصرف حزب الله في مواجهة إسرائيل، وأصدر 51 حزباً شيوعياً في دول أميركية وأوروبية وآسيوية وأفريقية، بيان دعم للشعبين اللبناني والفلسطيني، أدانوا فيه الأعمال العدوانية للجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة التي ذهب ضحيتها مئات الشهداء، وأدانوا أيضاً الموقف الأميركي لتشجيعه العدوان الإسرائيلي.

25 تموز 2006، اقتطفناه من مسلسل المواجهة للشعب اللبناني ومقاومته وجيشه، لنواجه عرب 25 تموز 2016 بالحقائق، عن وطنٍ صغير أغنى صموده وانتصاره عن كل قِمَم العرب، ولا نحمِّل قِمَّة نواكشوط ما لا تحتمل، ويكفي الشعب الموريتاني أنه لغاية تاريخه لم تتلطَّخ أياديه بدماء أطفال العرب، ولا تسبَّب بدمعة أمٍّ ثكلى، ولم يلعنه عجوزٌ مشرَّد في صحارى قحط الكرامة، خاصة أن قِمَّة نواكشوط شهِدت إحجاماً عن الحضور من معظم القادة العرب نتيجة إفلاسهم في ما يُمكن أن يُنتجوه لشعبهم خلال مؤتمرٍ ليومٍ واحد.

ما يُسجَّل لقِمَّة نواكشوط، أن موريتانيا احتضنت علم الجمهورية العربية السورية ولو أمام كرسيٍّ خاوٍ، بعد أن عمِل وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم وعلى مدى سنتين لِحُكم الجامعة العربية، وعلى استبدال العلم السوري بعلم ما يُسمَّى المعارضة السورية، وفَرَض ممثل “الإئتلاف” كممثِّلٍ للشعب السوري في القمة العربية بالدوحة عام 2013، وجلس رئيس الائتلاف السوري المعارض آنذاك معاذ الخطيب على مقعد سورية، وعندما جاءت قمة الكويت في عام 2014، وبدأت تظهر اعتراضات عربية ومن معارضة الداخل السورية، حدثت تغيرات طفيفة، ولم يجلس رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا على مقعد سورية، إلا أنه شارك في القمة وألقى كلمة، لكن هذا لم يحدث في القمة التي استضافتها مصر عام 2015، لأسباب تتعلق برفض بعض الدول العربية تسليم المقعد للمعارضة أو حتى حضور ممثِّل عنها لإلقاء كلمة، وهذا ما انسحب على قمة نواكشوط 2016، وسوف ينسحب على باقي القِمَم اللاحقة الى أن تعود الحكومة السورية الشرعية الى مقعدها، وما انسحاب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني من قِمَّة نواكشوط ( لأسباب صحية وفق وكالات، أو لدواعي ارتباط بسفر الى أميركا اللاتينية وفق وكالات أخرى) سوى تأكيد على غياب الهيمنة القطرية على الجامعة العربية، وإعادة قطر الى حجمها الطبيعي، وربما كان لمصر الدور الكبير في إقصائها عن زعامة أكبر من حجمها.

وإذا كانت “قِمَّة الأمل” كم اتُّفق على تسميتها في نواكشوط، لم يحضرها سوى قادة السودان والكويت واليمن وجيبوتي وجزر القمر، إضافة إلى قطر المُنسحِبة والدولة المضيفة موريتانيا، فإن هزالة التمثيل تعكس هزالة الموقف العربي كما لم يسبِق للعرب من قبل، وقد يكون “إعلان نواكشوط” خير دليل على توصيات ومقررات لا تُساوي الحِبر المهدور في كتابتها، ولا عودة الى وحدة عربية ما لم تعُد فلسطين هي البوصلة، فلسطين التي ملَّت من مؤتمرات العرب ومؤامراتهم، والتي كان آخرها فتح صفحة عُشق مع إسرائيل عبر السعودي “أنور عشقي”، ولا عمل عربي فاعل بغياب العراق وسوريا والجزائر واليمن ولبنان عن ميدان صُنع القرار، وحتى تحقيق هذا الأمر، فإن كل الدول العربية التي موَّلت ودعمت وسلَّحت وصدَّرت الإرهاب، عبر “داعش” و”النصرة/فتح الشام” وسواهما، ستدفع الأثمان الباهظة على جرائمها بما فيها إنهيار عروش…

المصدر: موقع المنار

البث المباشر