خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 5-4-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 5-4-2019

أسف نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة ان ينساق بعض القادة العرب لإرادة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وحلفائهما الخليجيين للحديث عن الخطر الايراني ووضع ايران في خانة العدو وينسى أو يتناسى العدو الحقيقي للامة وهو اميركا واسرائيل اللذين يعتديان على الحقوق العربية وعلى الارض والمقدسات.
ورأى أن معظم الأنظمة العربية باتت أنظمة مأزومة ضعيفة مترهلة لا دور لها، ومحكومة لاميركا ومرتهنة لها، وخاضعة لإرادتها وسياساتها واملاءاتها، ولا تجرؤ على تجاوز ما يرسمه الامريكي لها من أدوار وعلاقات ومواقف، بل هي مدفوعة أمريكيا لتكون جزءا من تحالف مع الكيان الصهيوني عنوانه العداء لايران ومواجهة ايران وحركات المقاومة في المنطقة .
وقال: أمام هذا الواقع المترهل الذي تعيشه الانظمة العربية يصبح من غير المفاجىء ان تأتي نتائج قمة تونس أقل بكثير من حجم التحديات والاخطار التي تواجه العالم العربي والتي يفرضها ترامب بقراراته المتعلقة بفلسطين والقدس والجولان وتهدد الأرض والمقدسات والحقوق العربية في فلسطين ولبنان وسوريا.
وشدد على أن مضي ترامب في سياساته الداعمة لاسرائيل والمعادية لشعوب المنطقة وعدم اكتراسه بالمواقف العربية وغير العربية التي لم تتجاوز حدود المواقف الكلامية، وامام عجز الانظمة العربية عن اتخاذ مواقف رادعة تحفظ حقوقهم ومقدساتهم، فانه ليس من خيار امام الشعوب التي تتعرض للعدوان الأميركي سوى النهوض والتمسك بخيار المقاومة، وعدم انتظار مجلس الأمن وهيئة الامم المتحدة لتدافع عنهم وعن حقوقهم.
واعتبر ان هدف ترامب من قراراته هو فرض امر واقع على الدول والشعوب، ويجب ان لا يخضع أحد لهذا الأمر الواقع، كما أن وهدف اميركا من فرض الحصار والعقوبات والتحريض والتشويه والافتراء على المقاومة، هو أن نستسلّم ونتخلى عن مقاومتنا، وأن نفرّط بحقوقنا وسيادتنا وثرواتنا وأمننا، وأن نخضع لارادة الأميركي ومشاريعه في المنطقة، مؤكدا: ان حزب الله واللبنانيين لا يمكن ان يتخلوا عن المقاومة، لانها تحمي بلدنا وتدافع عنه، ولا يمكن ان نفرط بحقوقنا مهما كانت التحديات والضغوط.
نص الخطبة
يوم المبعث النبوي الشريف كان منعطفا كبيرا في تاريخ الانسانية ، وبات أعظم يوم في تاريخ البشرية.
لقد هيأ الله نبيه(ص) لمثل هذا اليوم فربى فيه من الصفات والملكات والميزات والقدرات الشخصية ما جعله أعظم إنسان في هذا الوجود.
وهذا ما اشاراليه الامام الصادق (عليه السلام): إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه، فلما أكمل له الأدب قال: (وإنك لعلى خلق عظيم) ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .
ويقول أحد أصحاب الامام الصادق(ع): دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعته يقول: إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته فقال: ” وإنك لعلي خلق عظيم ” ثم فوض إليه، فقال عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وعنه (عليه السلام) أيضا: إن الله أدب نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى إذا أقامه على ما أراد قال له: (وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فلما فعل ذلك له رسول الله (صلى الله عليه وآله) زكاه الله فقال: (إنك لعلى خلق عظيم) .
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدبني ربي فأحسن تأديبي .
ونتيجة هذه التربية وهذه العناية والرعاية الالهية لرسول الله (ص) نجد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت لديه من الكمالات العقلية والمعنوية والروحية والنفسية والأخلاقية ما بلغ به وفيه القمة.
وقد مدحه القرآن في العديد من الآيات بصفاته وجاء مدحه على لسان الرسل والأنبياء (ع)، وكل الذين عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سواءَ آمنوا به كصحابته وأهل بيته، أو كانوا أعداء له وخصوماً له، كانوا يعترفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمزايا والصفات والكمالات التي حاز عليها في شخصيته.
فقد اكد القران الكريم هذه المزايا والصفات والملكات عندما تحدث عن أخلاق هذا النبي العظيم، حيث يقول سبحانه وتعالى: (وانك لعلى خلق عظيم)، وعندما تحدث عن رحمته، ولينه، وتواضعه، وعاطفته ورأفته وإنسانيته وحرصه على المؤمنين.
فقال تعالى:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ).
وقال تعالى: (ْ لقد جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
وهذه الملكات والكمالات كان يعترف بها الجميع، الجميع كانوا يعترفون للنبي(ص) بالصدق، والأمانة، والحكمة والحنكة والعدل والوفاء بالعهود والمواثيق والمعاهدات، ولذلك نجد أن أخصامه وأعداءه لم يجدوا فيه منقصة واحدة في شخصيته، ولا ثغرة واحدة ولا عيباً واحداً، ليتحدثوا عنه .
وحتى اليوم، يشهد لهذه الشخصية العظيمة مفكرون مسلمون ومسيحيون وفلاسفة كبار ونخب. ومن يقارب شخصية النبي(ص) لا يسعه الا ان يعترف بعظمة هذه الشخصية ومزاياها وما صنعته وما انجزته للبشرية.
الباحث الأمريكي الدكتور مايكل هارت حينما كتب كتابه سنة 1978م عن المائة الأوائل في تاريخ البشرية، وضمنه أنبياء وفلاسفة وقادة سياسيين، فإنه فاجأ الجميع بعدما وضع على رأس القائمة اسم نبينا محمد(ص) فكان في صدارة ومقدمة مائة شخصية في تاريخ البشرية.
. فما الذي دفع هذا الرجل الأمريكي الغربي المادي أن يجعل هذه الشخصية العظيمة لنبينا على رأس القائمة؟
يقول من قدم لكتاب هذا الباحث في مقدمة الكتاب: (إن اختيار المؤلف لمحمد ليكون على رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم تأثير عالمي في مختلف المجالات، ربما أدهش كثيراً من القراء إلى حد أنه قد يثير بعض التساؤلات، ولكن في اعتقاد المؤلف أن محمداً كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي). ويضيف الباحث: (لقد أسس ونشر محمد أحد أعظم الأديان في العالم وأصبح أحد أبرز الزعماء السياسيين العظام، وفي هذه الايام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته، فان تأثيره لا يزال قوياً وعارماً).
لقد حقق النبي (ص) في زمن قياسي وفي فترة وجيزة اعظم انجاز في منطقة كان يسود فيها الجهل وينعدم فيها القانون وتسيطر عليها الحروب والفتن وكل مظاهر الانحطاط والتخلف.الخ….
لقد أحدث النبي(ص) بحركته ودعوته ورسالته تحولات فكرية وثقافية وروحية ومعنوية واخلاقية واجتماعية وسياسية حضارية في ذلك المجتمع النحط والضائع والتائه، وصنع أمة هي خير الامم على أسس إنسانية وإيمانية ورسالية، وهذا من أهم الجوانب التي يجب التذكير بها عندما نتحدث عن المبعث النبوي الشريف.
من أهم الإنجازات هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعاد البشرية في ذلك الزمن ومنذ ذلك الزمن إلى إنسانيتها، أعاد كرامة الانسان للإنسان بعد ان كانت كرامة الانسان مهدورة ، أعلى من شأن هذا الانسان وانسانيته .
فمجتمع شبه الجزيرة العربية بل كل مجتمعات العالم آنذاك، سواء في الإمبراطورية الرومانية أو في الإمبراطورية الفارسية، كانت محكوماة بالتمييز، كان العالم يسوده التمييز، التمييز على أساس الجنس بين الذكر والأنثى، فكان بعضهم اذا ولدت له أنثى يدسها في التراب! ونستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي. فقد قال تعالى :” وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت”، وقال أيضا :”وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به”. وحالة المرأة لم تكن فقط في شبه الجزيرة العربية هكذا، بل في كل العالم.
كان المجتمع الجاهلي محكوما بالتمييزعلى أساس اللون، أبيض وأسود وأصفر وأحمر، وعلى أساس العِرق، عرب وعجم، وعلى أساس القبيلة، قريش وغير قريش، وعلى أساس النسب، بنو فلان وبنو فلان وهكذا.. فجاء رسول الله (ص)، الرسول الإنساني ليقول لكل الناس: (كلكم لآدم وآدم من تراب)، جاء ليقول لهم: (الناس سواسية كأسنان المشط)، وجاء لينقل اليهم كلام الله (عز وجل): “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى”، يخاطب المجتمع الذي كان يحط من قدر المرأة ويدفنها وهي طفلة، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
إذاً، الذكر والأنثى لهما قيمة إنسانية واحدة، العرب والعجم لهما قيمة إنسانية واحدة، الأبيض والأسود والأصفر والأحمر لهم قيمة انسانية واحدة، السيد والعبد والحر والمملوك لهم قيمة انسانية واحدة.
هذا الرسول جاء بهذا الخطاب الانساني الذي كان يعاكس كل ما هو سائد من تقاليد وعادات وثقافات وأعراف في الوجدان الشعبي السائد في تلك المرحل، حيث كان التمييز على أشده بين العبيد والسادة وبين الفقراء والأغنياء وغيرهم..
نعم، قال لهم أنتم من الناحية الإنسانية لكم قيمة واحدة ولكنكم تتمايزون، ليس بالجنس ولا باللون ولا بالقبيلة ولا بالنسب ولا بالعرق، وإنما تتمايزون بالعمل الصالح، بفعل الخير، بالفضائل، باجتناب الرذائل، باجتناب الآثام، والقبائح والمعاصي والمحرمات.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا. وقال (ص): “إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت .( الموطؤون
أكنافا ) هم الذين جوانبهم وطيئة لينة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى بهم ، فهم يفرحون بالحسنة ويتجاوزون عن السيئة ويعفون ويصفحون .
وقال(ص): خيركم خيركم لأهله.
وقال(ص): “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله ”
هذه هي المقاييس التي وضعها الاسلام للتفاضل بين الناس.. ثم يأتي البعض اليوم ممن لا يزال يتمسك بالمفاهيم الجاهلية ليتحدث عن الفرس والعرب، ويحرض العالم على ايران المسلمة، ويألب العرب ليتخذوا مواقف حادة ومعادية تجاه ايران، في الوقت الذي يفرض العدو على الامة تحديات وأخطارا كبيرة تحتاج في مواجهتها الى التوحد والتماسك والتعاون، لا سيما وان ايران تمد يدها دوما لجيرانها وللعالمين العربي والاسلامي لمواجهات التحديات التي تواجه الامة الاسلامية.
من المؤسف ان ينساق بعض القادة العرب لإرادة الولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما الخليجيين للحديث عن الخطر الايراني ووضع ايران في خانة العدو وينسى او يتناسى العدو الحقيقي للامة وهو اميركا واسرائيل اللذين يعتديان على الحقوق العربية وعلى الارض والمقدسات. ونجد هؤلاء في الوقت الذي يعلنون العداء لايران وحركات المقاومة، وفي الوقت الذي تعتدي فيه اميركا واسرائيل على الحقوق العربية ، على ارضهم ومقدساتهم، وتذلهم وتحتقرهم وتبتزهم ينسحقون امام اميركا ويهرول بعضهم للتطبيع مع اسرائيل.
معظم الأنظمة العربية باتت أنظمة مأزومة ضعيفة مترهلة لا دور لها، ومحكومة لاميركا ومرتهنة لها، وخاضعة لإرادتها وسياساتها واملاءاتها، ولا تجرؤ على تجاوز ما يرسمه الامريكي لها من أدوار وعلاقات ومواقف، بل هي مدفوعة أمريكيا لتكون جزءا من تحالف مع الكيان الصهيوني عنوانه العداء لايران ومواجهة ايران وحركات المقاومة في المنطقة .
أمام هذا الواقع المترهل الذي تعيشه الانظمة العربية يصبح من غير المفاجىء ان تأتي نتائج قمة تونس أقل بكثير من حجم التحديات والاخطار التي تواجه العالم العربي والتي يفرضها ترامب بقراراته المتعلقة بفلسطين والقدس والجولان وتهدد الأرض والمقدسات والحقوق العربية في فلسطين ولبنان وسوريا.
ان مضي ترامب في سياساته الداعمة لاسرائيل والمعادية لشعوب المنطقة وعدم اكتراسه بالمواقف العربية وغير العربية التي لم تتجاوز حدود المواقف الكلامية، وامام عجز الانظمة العربية عن اتخاذ مواقف رادعة تحفظ حقوقهم ومقدساتهم، فانه ليس من خيار امام الشعوب التي تتعرض للعدوان الأميركي سوى النهوض والتمسك بخيار المقاومة، وعدم انتظار مجلس الأمن وهيئة الامم المتحدة لتدافع عنهم وعن حقوقهم.
ان هدف ترامب من قراراته هو فرض امر واقع على الدول والشعوب، ويجب ان لا يخضع أحد لهذا الأمر الواقع، كما أن هدف اميركا من فرض الحصار والعقوبات والتحريض والتشويه والافتراء على المقاومة، هو أن نستسلّم ونتخلى عن مقاومتنا، وأن نفرّط بحقوقنا وسيادتنا وثرواتنا وأمننا، وأن نخضع لارادة الأميركي ومشاريعه في المنطقة، ونحن واللبنانيون لا يمكن ان نتتخلى عن مقاومتنا، لانها تحمي بلدنا وتدافع عنه، ولا يمكن ان نفرط بحقوقنا مهما كانت التحديات والضغوط.

المصدر: موقع قناة المنار

البث المباشر