خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش في 01-02-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش في 01-02-2019

الشيخ علي دعموش

اختلفت الروايات حول تاريخ استشهاد الزهراء اختلافا كبيرا لكن المشهور والمعتمد ثلاث روايات .
الرّواية الاولى : تنصّ على أنَّ استشهادها (ع) كان في الثامن من شهر ربيع الثاني، وبناءاً على هذه الرواية تكون الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد ابيها اربعين يوما. الرّواية الثانية : تنصّ على أنَّ استشهادها (ع) كان في الثالث عشر من جمادي الاول، وبناءاً على هذه الرواية تكون الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد ابيها خمسا وسبعين يوما. الرّواية الثالثة : تنصّ على أنَّ استشهادها (ع) كان في الثالث من جمادي الثاني، وهي اشهر الروايات وأصحها، وبناءاً على هذه الرواية تكون الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد ابيها خمسا وتسعين يوما.
وعلى أي حال فإن المقام الرفيع الذي جعله الله لهذه السيدة العظيمة والمزايا والصفات والخصائص النبيلة التي تحلت بها والكمال الذي وصلت اليه جعل منها قدوة ليس للنساء فقط بل للنساء وللرجال خصوصا في علاقتها بزوجها وعلاقة زوجها بها وعلاقتهما باولادهما في اطار الحياة العائلية والأسرية، وهو ما سأتحدث عنه في هذه الخطبة اي حياة الزهراء الاسرية والعائلية.
إذا استعرضنا حياة السيدة الزهراء العائلية، فسنجدها حياة مثالية جديرة بالاقتداء والاتباع، فهي تمثل النموذج الكامل الذي قدمه الإسلام لنا حتى نتبعه لكي تكون حياتنا العائلية مترابطة ومتماسكة وهادئة ومستقرة تغمرها الراحة والطمأنينة والسعادة والفرحة.
ولعل حديث الكساء المعروف والمروي من مختلف المصادر الاسلامية يعطينا صورة عن تلك الحياة الأسرية العظيمة وعن واقع العلاقة والتعامل داخل الأسرة النبوية الشريفة التي كانت فاطمة ركنا من أركانها، حيث نقرأ في حديث الكساء أن كل فرد من العائلة كان حينما يدخل البيت يبدأ بالسلام على أهله، فالنبي(ص) يدخل على ابنته الزهراء ويبدأ بالسلام عليها، والإمام الحسن(ع) وهو صغير يدخل البيت ويبادر للسلام على أمه الزهراء وكذلك فعل أخوه الإمام الحسين الأصغر منه حينما دخل بعده، وكذلك أبوهما علي فإنه حينما يدخل البيت يبدأ بالسلام على زوجته الزهراء.
كما نقرأ في حديث الكساء الاحترام المتبادل بين أفراد العائلة حيث استأذن الحسن جده المصطفى(ص) ليدخل معه تحت الكساء وكذلك فعل أخوه الحسين وأبوهما علي وأمهما الزهراء.
وفي حديث الكساء نقرأ إعلان كل واحد من أفراد العائلة محبته وثناءه على الفرد الآخر وإشادته بخصائصه وصفاته حيث تخاطب السيدة الزهراء كلاً من ولديها بقولها: يا ولدي وقرة
عيني وثمرة فؤادي. ويخاطب الحسين جده قائلاً: السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من اختاره اللَّه. ويسلم الإمام علي زوجته الزهراء بقوله: السلام عليك يا بنت رسول اللَّه. فترد عليه السلام وتقول: وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين.. إلى كثير من العبارات الواردة في الحديث وهي تحكي محبة كل منهم للآخر وإشادته بشخصيته.
ومن حديث الكساء نستشف اهمية وقيمة اللقاءات والجلسات العائلية الودّية التي تعزز قيم المحبة والحنان والاحترام في نفوس أفراد العائلة، وتتيح الفرصة لهم لتبادل المشاعر والأفكار وتزيد اترابط والتماسك العائلي، وقد ورد في الحديث عن رسول اللَّه (ص): جلوس المرء عند عياله أحب إلى اللَّه تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا.
لأن المعيار في القرب من الله ونيل محبته ليس العبادة فقط بل المعاملة الحسنة الأخلاقية والإنسانية للعيال، للزوجةوالأولاد.
اليوم الكثير من العوائل في مجتمعنا تفتقر الى التواصل والى الجلسات العائلية الحميمية حيث بات هناك الكثير من الأمور التي تصرف افراد العائلة عن التواصل واللقاءات العائلية وجلوس أفراد العائلة مع بعضهم وهم يتبادلون الاحاديث الودية، فبالإضافة الى انشغال الرجل في عمله وهمومه الخاصة وكذلك المرأة، يقضي الأولاد معظم أوقاتهم أمام التلفاز اوعلى مواقع التواصل الاجتماعي أو مع رفاقهم من خارج العائلة.
بدأنا مع بروز وانتشار وسائل التواصل وانشغال افراد الأسرة بها الى حد الإدمان نفقد الانسجام والترابط العائلي، فنستغرق بالحديث مع الاخرين على الواتس او الفايس بوك او نتلهى بتصفح هذه الوسائل حتى عندما نجلس سويا وننسى عوائلنا واولادنا .
أحيانا يجلس الرجل الى جانب زوجته او الزوجة الى جانب زوجها في مجلس واحد ولا يتكلمان مع بعضهما لانهما يلهوان بالحديث على الواتس أب، وهكذا الحال مع الاولاد، بينما الأولى ان يتحدث الزوجان مع بعضهما وأن يحدثا أولادهما قبل ان يتحادثوا مع الآخرين وان نلتفت الى بعضنا قبل ان نلهو بتصفح الواتس وغيره. .
ظاهرة الادمان على وسائل التواصل هي ظاهرة سلبية لها العديد من الأضرار ومنها الإضرار بالعلاقات العائلية، ولذلك يجب الابتعاد عن هذه الظاهرة قدر الامكان.
من غير المقبول أن يهتم الزوج او الزوجة او الولد بالتواصل والحديث مع الآخرين من خارج العائلة والانسجام معهم وترك الحديث مع افراد الأسرة وإظهار المحبة والمودة لهم .
الإنسان ضمن عائلته زوجاً أو زوجة أو ولداً أو والداً له وعليه حقوق وآداب متبادلة، ولا ينال الانسان رضا الله ولا تهنأ حياته العائلية إلا برعايتها والالتزام بها.
بعض الناس يبدي حرصا شديدا للالتزام بحقوق الآخرين من خارج عائلته ويعطي من هو خارج عائلته كل الاهتمام والرعاية والاحترام، ولكنه يتساهل في تعاطيه مع عائلته القريبين منه فلا يحترم حقوقهم ويجيز لنفسه الاعتداء عليهم أحيانا ومعاملتهم معاملة غير اخلاقية وغير
انسانية، مع أن الاسلام يشدد على التزام المعاملة الحسنة مع افراد العائلة، ويعتبر أن الاولى بالانسان ان يحترم عائلته ويحسن معاملتهم ويتودد اليهم قبل أن يفعل ذلك لسائرالناس .
فعن النبي(ص): خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لأهلي .
وفي الأحاديث تأكيد شديد على رعاية الحقوق الزوجية المتبادلة، فعن رسول اللَّه (ص): من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل اللَّه صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وان صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً.
وفي رواية عن الإمام الباقر (ع) يقول: «لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها». ولما ماتت فاطمة (ع) قام عليها أمير المؤمنين (ع) وقال: اللَّهم إني راضٍ عن ابنة نبيك.
ونستفيد من هذه الرواية إنه إذا كانت الزهراء (ع) تحتاج إلى رضى زوجها عنها وهي ابنة رسول اللَّه وسيدة نساء أهل الجنة فإن أية امرأة أخرى أحوج إلى ذلك.
وفي المقابل فإن للزوجة حقوقا لا بد للزوج من مراعاتها ، لأن الزوج بطبعه يشعر بالقوة والتفوق والهيمنة على زوجته، من حيث إن له حق القوامة.. أما الزوجة فليست كذلك، من هنا يقول الرسول (ص): مازال جبرئيل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها.
لا بد للزوج من مراعاة حقوق زوجته، وأن يرأف بها ويحترمها ويراعي ظروفها وأن لا يكلفها يرف بها وأن يحترمها ويراعي ويكلفها بأكثر مما هو واجب عليها، فلا ينبغي ان يتعامل معها كما لو أنها خادمة في بيته، فهي مسؤولة حتى عن خدمته هو شخصياً ، عن أكله وشربه ولبسه وأشيائه، والواقع أن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجباً إلزامياً عليها، إنما هو أمر عرفي، ومستحسن شرعاً لا أكثر من ذلك.
و إذا قامت المرأة بخدمة زوجها فإنما هي محسنة و ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ فلا يجوز له أن ينهرها أو يضربها أو يهينها إذا قصرت في ذلك، لأنه ليس واجباً عليها أصلاً.
وكما ان من المستحسن ان تقوم المرأة بخدمة زوجها وأولادها وشؤون البيت فإن من المستحسن أيضا ان يقوم الرجل بخدمة زوجته وشؤون بيته لتكون الخدمة متبادلة، ولتكون هناك حالة من التعاون بين الزوج وزوجته فلا يرمى العبء على كاهل المرأة وحدها وانما يكون الرجل شريكا في تحمل مسؤولية إدارة شؤون المنزل، وهذا أمر شجعت عليه الأحاديث الوردة عن المعصومين(ع)، ففي رواية عن النبي (ص): إذا سقى الرجل امرأته الماء أُجر.
وفي حديث آخر: إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته.
وهنالك الكثير من الروايات والأحاديث التي تشجع على خدمة الرجل لزوجته خصوصاً ولعائلته عموماً.
تروي إحدى زوجات النبي(ص) (عائشة) كيفية تعامل النبي(ص) مع أهله فتقول: كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته ما يعمل أحدكم في بيته، كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة.
ويقول أمير المؤمنين (ع): لا يكن أهلك أشقى الخلق بك.
بعض الناس يتطوع لخدمة الآخرين في المحافل العامة لكنه غير مستعد لخدمة زوجته وعائلته، وقد يخدم الضيوف في بيته لكنه يأبى عن تقديم الخدمة لأفراد أسرته.
لقد كانت حياة علي والزهراء مصداقاً واضحاً وبارزاً لتلك التعاليم والإرشادات التي تجعل من الحياة العائلية حياة سعيدة بلا حدود.
وها هو أمير المؤمنين (ع) يوضح علاقته بالزهراء واحترامه ومراعاته لحقوقها فيقول: فواللَّه ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها اللَّه عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنى الهموم والأحزان.
ومن جهتها هي أيضاً أكدت ذلك في وصيتها المعروفة له قبل وفاتها حيث قالت: «يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني»، فيجيبها عليّ مباشرة «معاذ اللَّه أنت أعلم باللَّه وأبّر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من اللَّه من أن أوبّخك بمخالفتي.
ولا ينبغي أن نردد هنا ما يقوله بعض الناس من أن حياة الزهراء عليها السلام تختلف عن حياتنا كون الامام علي عليه السلام زوجها وتعامل معها بما يرضي الله، فكيف نقتدي بها ونحن في مجتمع موبوء وكثيرا ما تعاني الزوجات من ازواجهن؟
هذا الكلام لا يصح من المؤمنين العقلاء، فصحيح أن هناك فرقا شاسع بين حياة الأئمة الاطهار وحياتنا، ولكن هذا لايمنع أن نقتدي بهم وان نقتدي بالزهراء “ع” ، فالرجل يستطيع بأخلاقه ومعاملته الحسنة ان يكون في اخلاقه وطريقة تعاطيه كعلي(ع) والمرأة مهما كان طبع زوجها صعباً تستطيع بذكائها وحسن اخلاقها ومعاملتها الجيدة معه ان تجعل منه رجلاً طيباً يخاف عليها كما تخاف عليه ويُلبي لها ماشاءت على قدر عطائها وحبها له. ولذلك كل منهما يستطيع أن يعامل الآخر بالقيم الاخلاقية التي لا تختلف من زمان الى زمان ولا من مكان الى مكان ، وبامكان الجميع ان يلتزم بها اقتداءا بعلي والزهراء(ع).
لذلك في ذكرى الزهراء ، ينبغي لنا أن نتطلع إلى تلك الحياة العائلية السعيدة التي عاشها بيت فاطمة وأن نطالب أنفسنا بتحمل أدوارنا كاملة في ذلك، وأن لا يلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخر، ويبرئ نفسه من التقصير والاهمال.
وعلينا أن نعمل بإرشادات الإسلام في علاقاتنا العائلية ونقتدي بأهل البيت (ع) من اجل تعزيز حالة الانسجام والمحبة بين افراد العائلة لان حالة الانسجام تنمي الثقة وتخلق جوا من الراحة والاستقرار داخل الأسرة ، بينما التباعد وقلة الاحترام والتعامل السيء يولد أجواء مضطربة في العائلة ويفتح الباب امام الكثير من المشكلات المدمرة للحياة العائلية.
اليوم وبعد ولا دة الحكومة تتجه أنظار اللبنانيين الى ما ستقدمه الحكومة الجديدة لهم، فهل ستكون على قدر آمالهم وتطلعاتهم بعدما انتظروا طويلا انجاز هذا الاستحقاق الوطني ام انها ستكون كالحكومات السابقة التي لم تستطع معالجة الأزمات الحياتية التي يعاني منها اللبنانيون؟.
وبطبيعة الحال بعد تشكيل الحكومة سيجري البحث في البيان الوزاري كالعادة، ولذلك من الآن نقول: نحن في حزب الله لدينا ثوابت لن نتخلى عنها في البيان الوزاري، ونأمل أن لا يضيع احد وقتا في نقاش ما اصبح من الثوابت.
فالحكومة التي ستتشكل ينتظرها عمل كثير ولا مجال لتضييع المزيد من الوقت، ولذلك المطلوب انجاز البيان الوزاري سريعا والتوجه نحو العمل ، والمطلوب من الحكومة أن تبذل جهودا مضاعفة فتعمل بفاعلية أكبر وبمسؤولية وجدية للتعويض عن الفترة الماضية وتحقيق انجازات على الصعد المختلفة،من أجل اعادة كسب ثقة اللبنانيين الذين شعروا في الفترة الأخيرة بأن همومهم في مكان وهموم المسؤولين في مكان آخر.
نحن في حزب الله سنتعاطى بمسؤولية وطنية وبمنتهى الجدية في كل الملفات الاساسية وستكون أولويتنا في الحكومة الجديدة إصلاح الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد والهدر ومعالجة المشكلات الحياتية للمواطنيين كمشكلة الكهرباء والمياه والنفايات ودعم القطاعات الاقتصاديّة المنتجة لا سيما قطاعات الزراعة والصناعة،اضافة الى العديد من الملفّات السياسيّة والأساسيّة الأخرى سواء المرتبطة بالنازحين او وباستخراج النفط والغاز او بالعلاقة مع سوريا او بالتصدي لصفقة القرن وللعقوبات الأميركية على لبنان،
ونأمل من كل الاطراف السياسية المشاركة في الحكومة ان تكون لديها نفس والاولويات وان تتعاطى بمسؤولية وطنية ليتعاون الجميع على انقاذ البلد وتحقيق آمال الناس لانه اذا لم تتمكن الحكومة من انطلاقة قوية وايجابية في الملفات الاساسية فقد نشهد وضعاً أكثر سوءاً من الوضع الذي نحن فيه.

المصدر: موقع قناة المنار

البث المباشر