الإمام الخامنئي : ما علينا بناؤه لتلاميذنا هو هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم   – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الإمام الخامنئي : ما علينا بناؤه لتلاميذنا هو هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم  

الإمام الخامنئي : ما علينا بناؤه لتلاميذنا هو هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم
كلمة الإمام الخامنئي في حشود المعلمين بمناسبة أسبوع المعلم (ذكرى شهادة الشيخ مرتضى مطهري)

 

كلمة الإمام الخامنئي في حشود المعلمين بمناسبة أسبوع المعلم (ذكرى شهادة الشيخ مرتضى مطهري)

02/05/2016

بسم الله الرحمن الرحیم[1]

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا محمد، وآله الطاهرین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم يا أعزائي أجمل ترحيب، وأسال الله أن يجعل يوم المعلم وما انطوى عليه من معانٍ وذكريات عزيزة، لكم جميعاً يا أبنائي الأحباء، ويا إخواني وأخواتي الأعزاء، مصدر بهجة وفخر وسعادة أبدية.

تحيّة للشهداء وشكرًا لكم..

بادئ ذي بدء، وبعد تبريك هذا اليوم، أُحيّي ذكرى شهدائكم، سواءٌ الشهداء من المعلمين البالغ عددهم نحو أربعة آلاف شهيد، وهو ليس بالعدد القليل، أو الشهداء التلاميذ الذين يفوق عددهم 36 ألف شهيد، وصلوا لمقام الشهادة طيلة أعوام الدفاع المقدس. ولولا أنفاس المعلّم الدافئة، لما كان من المعلوم أن يهبّ التلاميذ للالتحاق بساحات القتال في جميع الظروف، وهذا فخرٌ يعود إلى المعلمين أيضاً.

وبعد هذا، يصل الدور إلى أن أُعبّر عن شكري لكم أنتم الذين تمثلون مجتمع المعلمين في البلاد، وذلك لأنه مجتمعٌ قد تولّى مهمة شاقة بدخلٍ ماديٍّ ضئيل. إذ إنّ المعلم يحمل على كاهله أعباء تربية الشباب والناشئين، وهو ليس بالعمل البسيط، بل هو أمر صعب، ينطوي على مسؤولية ثقيلة. وللجميع توقعاتهم من المعلم، ويرغبون في أن تتألق براعمهم وشبابهم وأطفالهم عندما يدخلون إلى المدرسة ومن خلال تربية المعلم، ويسطعون في وسط العائلة كباقة الزهور. هذه هي رغبة الإنسان، فالجميع لهم توقعاتهم من المعلم. وفي الوقت ذاته لكم أن تقارنوا بين دخل المعلّم وبين دخل الرأسمالي الفلاني، أو الثريّ الفلاني، أو ابن التاجر الفلاني، وهذا ما يشهده المعلم ويعرف به. وأولئك الذين يدخلون في سلك التعليم، لربما كان بمقدور الكثير منهم – إن لم نقل كلهم – أن يسلكوا مسلكاً آخر، يدرّ عليهم المزيد من الأرباح والعائدات، ولكنهم لم يفعلوا ذلك. إن من دوافع التعليم، العشق والمحبة والشعور بالمسؤولية؛ ذلك أن المعلمين يقومون ببناء المستقبل بقناعة، ويحملون على كاهلهم أعباء تربية الشباب والناشئين بشهامة وصبر وهدوء. ولا أُريد أن أطلق حكماً عاماً، ففي كل مجتمعٍ وفي كل زيٍّ، قد يظهر البعض ممن لا لياقة عنده، لكن السياق العام لمجتمع المعلمين هو ما ذكرته. نحن بدورنا قد درسنا على يد هؤلاء المعلمين، وسمعنا منهم، وتعلمنا منهم، ونعرف كيف هو المعلّم.

الإخلاص سبيل الخلاص

حسناً، هناك ميزة تمتاز بها مهنة التعليم، حريٌّ بكم أنتم المعلمون الأعزاء وشريحة المعلمين الجدد الذين دخلوا لتوهم في هذا المسلك أن تلتفتوا إليها، وهي أنه في هذا العمل بما ذكرنا له من خصائص – مشقة كبيرة ودخل ماديّ ضئيل – تتوافر إمكانية الإخلاص أكثر من غيره، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فإن نجاة الإنسان في الحياة الأبدية مرهونٌ بالإخلاص، وإن العمل لوجه الله وفي طريق الحقيقة وعلى جادة الإخلاص سبيلٌ للخلاص، وهذه الفرصة قد لا تسنح في مجالات كثيرة. فإن الإنسان في الكثير من أعماله يتصوّر أنه أنجزها لوجه الله، ولكنه إذا أمعن النظر فيها بإنصاف، سيجد أنها قد اختلطت بما ليس لله. «وَأَستَغفِرُكَ مِمّا أَرَدتُ بِه‌ وَجهَكَ فَخالَطَني ما ليس لَك»[2]. هذا من الأدعية الواردة بين نافلة الصبح وفريضته، حيث يقول: إلهي! أستغفرك من عملٍ أردت القيام به في سبيلك، فوجدت أنه قد «خالَطَني ما لَیسَ لَك»، وقد امتزجتْ فيه دوافع ونيات غير إلهية. هذا هو حال الكثير من أعمالنا، وأنا العبد أذكّر نفسي. فليغتنم الإنسان ذلك العمل الذي تتوافر فيه إمكانية الإخلاص، كالتعليم. بإمكانكم أن تعملوا بإخلاص، فإن فعلتم ذلك، ستجدون البركة في أعمالكم.

الشهيد مطهري؛ نموذج الإخلاص!

النموذج الجلي المشرق والحيّ والحاضر على ذلك هو الشهيد مطهري. آية الله مطهري كان يتحرك بإخلاص، وينجز عمله لوجه الله،  كنّا نعرفه ونتواصل معه عن قرب، ونشهد أعماله، ونلاحظ نيّته. كان إنساناً عارفاً بزمانه وبمتطلبات عصره، يعرف الاحتياجات ويدركها، ومن أجل سدّ فراغ هذه المتطلبات، يعمل ويفكر ويقول ويكتب ويبذل مجهوده ويواجه بإخلاص وفي سبيل الله. فكانت حصيلة إخلاصه هذا خلود آثاره وأعماله، فقد استشهد منذ عشرات السنين، غير أن كتبه وأفكاره، على حدّ تعبير سعدي ]الشاعر[: «يتلقفونها كأوراق الذهب»، فإن أهل الفكر والفهم والإدراك، يُسارعون نحو كتب الشهيد مطهري. هذا هو الإخلاص.

فإن عملتم بإخلاص، سيكون بمقدور كلّ واحدٍ من هؤلاء الناشئين والشباب الذين يكبرون على أيديكم، أن يقوم  ببناء مستقبل البلاد، ويكون مدعاة لسعادتكم الأبدية لأنكم أنتم من علّمتموه، وإن لم يعرفكم أحد. فإن أولئك الذين قاموا بتعليم الإمام الخميني العظيم وتدريسه في عهد طفولته، لا يعرفهم أحد، غير أنّ آثار الإمام تُسجَّل في صحيفة أعمالهم أيضاً لأنهم قاموا بتربية هذا الرجل بهذه الطريقة.

الاستثمار في التربية والتعليم ليس إنفاقاً

حسناً، لقد تحدّثنا عن الإخلاص، وكان هذا خطاباً موجّهاً لكم؛ ولكن لا يعني ذلك: بما أن جماعة المعلمين تتسم بالإخلاص والقناعة، فعلى المسؤولين في البلد أن يغفلوا عن قضايا المعلمين المادية! كلا، فقد ذكرنا مراراً وسنعاود القول مرات ومرات أخرى، يجب أن يعلم المسؤولون في البلاد بأنهم مهما أنفقوا من ميزانيات في قطاع التعليم والتربية، فهذا استثمار، وليس مجرّد إنفاق، فالأموال التي تُبذَل في هذا القطاع، إنما تُستثمَر في حقيقة أمرها، فلينظروا إلى التعليم والتربية بهذا المنظار، وليضعوا الميزانية عبر هذه الرؤية، وليوفّروا الإمكانيات المعيشية من خلال هذه النظرة. فإن البعض من أصحاب النيّات السيئة يستغلون هذه المشاكل المعيشية لشريحة المعلمين لمآرب فاسدة، وقد سمعتُ أن هناك من يستغل هذه المسائل حتى في داخل الجهاز التعليمي والتربوي، فإن أوضاع المعلمين المعيشية إن شهدت خللاً، تؤدي إلى استغلال بعض الأشخاص لها. إن جماعة المعلمين حتى يومنا هذا، وبتوفيق من الله، قد حافظت على سلامتها وطهارتها، لكنّ البعض حالياً يبذلون جهودهم ومساعيهم للتحريض ولتأجيج حركات مشبوهة بواسطة هذا الموضوع.

معالم الجيل الذي يريده نظام الهيمنة

حسناً، لنتناول الآن الموضوع الرئيسي.. أعزائي! إنكم تريدون تربية جيل؛ إلى أي جيل يحتاج بلدكم ومستقبلكم؟ هذا هو المهم. علماً بأننا لا نمارس أعمالنا وحدنا في ساحة خالية! أحياناً يستعرض لاعب جودو أو لاعب كونغ فو – على سبيل الفرض – حركاته ومهاراته الرياضية في ساحة خالية، لا يوجد فيها من يواجهه، ويكون أمره سهلاً، أو يبارز بالسيف ويضرب في ميدانٍ فارغٍ من دون أن يجابهه أحد، ولكن أحياناً  يكون أمامكم خصمٌ، يصدّ ضَرَباتكم، ويحول دون أن تقع الضربة عليه، ويردّ الضربة بالضربة، نحن اليوم نواجه مثل هذا الخصم، ولكن من هو هذا الخصم؟ إنه نظام الهيمنة الدولي. وهذا ما قد يثير تعجب البعض؛ فهل قطاع التعليم والتربية لدينا في مواجهة نظام الهيمنة الدولي؟ أجل. إنه نظامٌ يتجسد اليوم في الإدارة الأمريكية، وكبار الرأسماليين الصهاينة، وبعض الحكومات المستكبرة الأخرى، فإن هؤلاء هم الممثلون والرموز للنظام السلطوي الدولي. وسبق أن أسهبت في الكلام بهذا الشأن خلال خطاباتي العامة، وشرحت المقصود من نظام الهيمنة الدولي. فإن لهذا النظام برنامجه وخطته للشعوب – لا لشعبنا فحسب، بل لكل شعبٍ يقدر عليه -، ويهدف أن يتربى الجيل، الذي يريد بناء مستقبل هذا البلد وكل هذه البلاد، على نموذج وشاكلة تصبّ في مصلحته، أن يتربى في هذه البلاد جيلٌ يحمل فكره، وثقافته، ورؤيته، وتوجهاته حيال القضايا العالمية. فينشأ هذا الجيل، ويتبوّأ بالطبع مكانته العلمية، بحيث يُصبح باحثاً، وسياسياً، ومديراً ومسؤولًا في البلدان المختلفة. وهل هناك للمستعمرين شيءٌ أفضل من أن يكون أهل الفكر والحل والعقد وأهل الخبرة والرأي في بلدٍ، متحدين معهم في الفكر والعمل؟ إن هذا يُسهّل الأمر عليهم. وهذه هي الخطة الاستعمارية الثقافية. وبالطبع لم توضع هذه الخطة اليوم؛ ربما انقضت عليها عشرات السنوات ولا تزال مستمرة.

جنود بلا رواتب!

لطالما صرّح المفكرون في السياسة الغربية بأنه بدلاً من أن نعمد على غرار فترة الاستعمار في القرن التاسع عشر إلى احتلال البلدان، وتعيين حاكم عسكريّ، وبذل الأموال، وتزويد الجماعات هناك بالأسلحة، وإثارة الصراعات والحروب، الأفضل والأسهل والأقل كلفة، هو أن نقوم باستقطاب شخصياتهم من النخب، وبث أفكارنا فيهم، وإيفادهم إلى بلدانهم، فيتبدّلون إلى جنود لنا من دون أن ندفع لهم رواتب! يفعلون ما يريد الغرب. ألا تعرفون نماذج حكومات ودول كهذه في عصرنا الراهن؟ وهل هي قليلة في منطقتنا؟ حيث تنطق بنفس ما تريده أمريكا، وتعمل كل ما تتمنّاه أمريكا، بل وتتحمل كلفة ذلك ومصاريفه، وتخدم أمريكا. إذ ليس أنها لا تحصل على امتيازات وأموال وحسب، بل هي التي تُنفق الأموال. والميزة الوحيدة التي تكتسبها هي أن يحول الاستكبار دون سقوطها على يد الجماعات المعارضة ويحافظ عليها. هذا هو مشروعهم وبرامجهم لأجيالنا وللتلاميذ الذين يتربون على أيديكم. كم سينجحون أو يفشلون، هذا بحثٌ آخر،  لكن هذه هي خطتهم. حيث يروّجون أفكارهم وثقافتهم ولغتهم.

لِمَ الإصرار على اللغة الإنكليزية؟

وهنا أكرّر  كلاماً ذكرته سابقاً للمسؤولين في قطاع التعليم والتربية، ولربما لم أذكره للمسؤولين المحترمين حالياً، ولكني قلته فيما مضى مراراً، وهو أن الإصرار على ترويج اللغة الإنكليزية في بلدنا هو عمل غير سليم. نعم، لا بد من تعلّم اللغة الأجنبية، غير أن اللغة الأجنبية ليست الإنكليزية فقط؛ لغة العلم ليست الإنكليزية فقط. لماذا لا يحدّدون لغاتٍ أخرى لتدريسها في المدارس؟ ولـِمَ هذا الإصرار؟ هذا ميراث عهد الطاغوت (الشاهنشاهي). اللغة الإسبانية (مثلاً)، إن الناطقين بهذه اللغة في الحال الحاضر لا يقلّون عدداً عن الناطقين باللغة الإنكليزية، ولهم وجودهم الكبير في شتى البلدان، بما فيها بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان أفريقيا. وهذا ما ذكرته على سبيل المثال، فإني لستُ من المروّجين لأسبانيا حتى أعمل لهم، وإنما أردتُ أن أذكر مثالاً. ولـِمَ لا تُدرَّس اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية؟ كما إن لغة البلدان الشرقية المتطورة أيضاً لغة أجنبية، وهي لغة العلم كذلك.

أيها السادة الأعزاء! في البلدان الأخرى يتنبّهون إلى هذه القضية ويحولون دون نفوذ اللغة الأجنبية وتدخّلها وتوسّعها، وإذْ بنا اليوم أصبحنا كاثوليكيين أكثر من البابا! (ملكيين أكثر من الملك) حيث فتحنا الساحات والأبواب على مصراعيها، ولم نقتصر على أن جعلنا هذه اللغة هي اللغة الأجنبية الحصرية في مدارسنا، بل أخذنا نضعها شيئاً فشيئاً في المراحل الدراسية الأولى، بما في ذلك المرحلة الابتدائية والمرحلة التمهيدية والروضات! لماذا؟ وعندما نريد ترويج اللغة الفارسية، علينا إنفاق أموالٍ باهظة وبذل الجهود والمساعي، حين يعمدون إلى إغلاق فرع اللغة الفارسية في مكانٍ ما، نضطر إلى إجراء اتصالات دبلوماسية، لنتساءل ما الذي دعاكم إلى إغلاق هذا الفرع الدراسي؟ ولكنهم يحولون دون ذلك، ولا يسمحون للطالب الجامعي باختيار هذا الفرع الدراسي، ولا يفسحون المجال لنا لترويج اللغة الفارسية في ذلك المكان. وإذا بنا نقوم بترويج لغتهم بأموالنا وبجهودنا ومواردنا وبالمشاكل المحيطة بنا، هل هذا عملٌ عقلائي؟ أنا لا أفهم ذلك! ذكرتُ هذا بين قوسين، ليعلم الجميع وينتبهوا ويتابعوا. لا أقول أن نعمد غداً إلى تعطيل تعليم اللغة الإنكليزية في مدارسنا. كلا، ليس هذا ما أقوله، وإنما أردتُ القول بأن علينا أن نعرف ماذا نفعل، وندرك ما هو الجيل الذي يريد له الطرف الآخر أن يتربى في هذا البلد وما هي مواصفاته وخصاله.

معالم جيل المستقبل:

حسناً، هذا هو الجيل الذي يريده نظام الهيمنة الدولي؟ ولكن ما هو الجيل الذي نريده نحن ؟ إنّ قسم اليمين الذي  أديتموه اليوم كان جيّدا جداً، وكنتُ قد شاهدتُ نصّ اليمين قبل المجيء إلى هذا المكان، واستمعتُ الآن أيضاً إليه بدقة. اعلموا أن اليمين هذا قد لزمكم حين قمتم بأدائه، فإن المرء إذا ما أدى يميناً بنية، يجب عليه تطبيقه والعمل بمقتضاه. أداء قسم اليمين كان جيّداً.

-الهوية المستقلة

إن أولّ ما يجب علينا أخذه لتلاميذنا بنظر الاعتبار، هو إيجاد هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم. هذا هو الأمر الأول؛ هوية مستقلة وذات عزة. فلنربِّ شبابنا على أن يتّبعوا سياسة مستقلة، واقتصاد مستقل، وثقافة مستقلة، وأن لا تنمو لديهم روحية التبعية والركون إلى الآخرين والاعتماد عليهم والرجوع لهم. أقولها لكم بأننا نعاني من ضعفٍ في هذا الجانب! إنكم ترون أنه حينما تدخل كلمة أجنبية إلى البلد، يستخدمها على الفور، الكبير والصغير والمعمم (عالم الدين) وغير المعمم وأمثالهم. لماذا أيها السيد العزيز؟ لماذا كل هذا الشوق والتعطش لدينا لاستعمال التعابير والاصطلاحات الأجنبية؟ لماذا؟ هذه هي الحالة التي أورثونا إياها، وهي الحالة نفسها التي كانت سائدة في عهد الطاغوت وفي فترة شبابنا. إنني أتذكر حينما كنتُ شاباً، وكأنما كنّا نتسابق على استخدام هذه الاصطلاحات الأجنبية. وكل من كان يستعملها أكثر، يدل على أنه كان يتمتع بمزيد من الوعي والتنوير والحداثة وما شابه! هذا خطأ.

إن الهوية المستقلة، هو أولّ ما يجب علينا أن نربيه وننمّيه في نفوس شبابنا وفتياننا وفتياتنا، عند ذاك سيتجلى معنى الاقتصاد المقاوم. ولا يكون الأمر أنه، ولتنفيذ الاقتصاد المقاوم، يعمد كبار المسؤولين الحكوميين إلى عقد مئة جلسة متتالية، ويصدّرون التوجيهات تلو التوجيهات، والقرارات تلو القرارات، وأخيراً لا يتم تطبيقه بشكل كامل! حسناً، إنهم يبذلون حالياً جهودهم لتحقيق الاقتصاد المقاوم. لكن عندما نفتقد إلى روح الاستقلال والاستقامة والصمود أمام الآخرين، سيكون العمل صعباً. وكذلك الحال حينما نتعوّد على استخراج ذخائرنا – فإن الأسر العاقلة والمفكرة غالباً ما تدّخر في البيت لنفسها شيئاً، ونحن أيضاً نتمتع بذخيرة إلهية وهي النفط – وبيعها باستمرار، من دون قيمة مضافة. تارة نقوم بتبديلها إلى ما يحمل قيمة مضافة، وهذا مطلوب ومقبول، غير أننا لا نقوم إلا باستخراجها وبيعها من دون قيمة مضافة.

إن بعض رؤساء الدول الذين التقوا بنا وجّهوا عتاباً بأن الميزان التجاري لنا لا يتوازن بيننا وبينكم، لأنكم تبيعون لنا أكثر مما تشترون منا، فأجبتُ مراراً لعددٍ منهم، بأن الذي تشترونه في الأغلب هو النفط، والنفط يعني المال ويعني الذهب، ونحن لا نكتسب منه قيمة مضافة، وإنما نستخرج ثروتنا من جوف الأرض ونسلمها لكم. وهذا لا يمكن وضعه في حساب الميزان التجاري.

هذه أمورٌ هامة، فإن ظهرت الهوية المستقلة، سيبتعد الإنسان عن مثل هذه الحياة، وحينها سيتبلور معنى الاقتصاد المقاوم، ومعنى الاقتصاد بدون النفط، ويظهر معنى الثقافة المستقلة.

-إحياء الفطرة السليمة؛ الإيمان، التعقل والتفكر

يجب علينا أن نُحيي المعالم الممتازة والبارزة لدى التلاميذ. أجل، لقد جاء في يمينكم أن تعملوا على تفعيل فطرتهم الإلهية، وهذا صحيح، فقد وضع الله تعالى فينا جميعاً رصيداً وخميرةً لها قابلية نموّها واستثمارها. فاعملوا على تفعيلها وترشيدها عند الأولاد.

هذه المعالم والشواخص في الأغلب مفاهيم [محرّكة] صانعة للتيارات[3]، فلنعمل على إنتاج هذه المفاهيم الصانعة للريادية والمنتجة للعمل وإطلاقها وإحيائها فيهم، وهي تتمثل في الإيمان، التعقل والتفكّر – فليتعلموا التفكير -، المشاركة الاجتماعية، والابتعاد عن حالات الانزواء الاجتماعية المرفوضة، والتكافل الاجتماعي الذي يحمل معنىً إسلامياً سامياً للغاية.

ترشيد الاستهلاك، ولطالما تحدثتُ أنا الحقير حول قضية ترشيد الاستهلاك، في خطابات أول السنة، ومع المسؤولين، وفي الاجتماعات الخاصة والعامة، ولكن لم يتم ترشيد الاستهلاك عندنا حتى الآن، ذلك أننا لا نُحسن طريقة الاستهلاك. فإنّ قضية البضائع الأجنبية التي طرحتها قبل بضعة أيام[4] في هذه الحسينية على مجموعة من الحضور، هي من هذا النمط. وتهريب السلع والبضائع الفاخرة بعشرات بل مئات المليارات، من هذا القبيل أيضاً. وهذه الأعمال الصبيانية في الشوارع ــ التي يقوم بها أولاد الأثرياء من حديثي النِّعم بتلك السيارات الفاخرة، حيث يجولون ويستعرضون ويتفاخرون بها على الدوام ــ هي الأخرى يعود سببها إلى ذلك. ترشيد الاستهلاك ونموذج الصرف الصحيح؛ هذا ما يجب تعليمه للشباب والناشئين منذ الطفولة.

تحمّل الرأي المخالف، إذا قام أحد بصدمنا ودفعنا قليلاً، فوجّهنا له لكمة بقبضتنا على صدره! هذا هو عدم التحمل للآخر. الإسلام لا يريد هذا منا، وإنما يريد عكس ذلك: ﴿رُحَمآءُ بَینَهُم﴾[5].

الأدب؛ التحلي بالأدب. فإن من المفترض أن يكون الكثير منكم مطلعاً على الفضاء الافتراضي، فهل تتم حقاً مراعاة الأدب في هذا الفضاء؟ وهل هناك التزام بالحياء؟ لا يوجد التزام بذلك، أو لا تراعى هذه الأمور في جزء كبير منه. فلا بد من تنمية رشد هذه المسائل في الفتيان والشباب.

التديّن؛ ألّا يتربّوا على الأرستقراطية؛ عدم ترويج الحياة الأرستقراطية لديهم. وبالطبع، إن أردتُ هنا فهرسة هذه المسائل وتدوينها وقراءتها، لبلغت عدة صفحات، هذا جزء يسير منها.

هذه أمورٌ يجب عليكم القيام بها، هذه هي مهمتكم؛ هذا عملكم المقدس. فإنكم أنتم من يتولّى تربية هذا الجيل وتثقيفه بهذه الطريقة. إذا استطعتم ترسيخ هذه المفاهيم الصانعة للتيارات والاتجاهات في أذهان تلاميذكم، تكونون قد أدّيتم خدمة كبيرة لمستقبل بلدكم. هكذا هو المعلّم لحسن الحظ؛ لأنه يمارس التعليم والتدريس، فإن لديه بطبيعة الحال سلطة روحية وثقافية على التلميذ – ولا أقصد أولئك التلاميذ الذين يتصفون بسوء الخلق والموجودين في بعض الصفوف، وإنما هذه هي الحالة العامة، وفي الحوزات العلمية. المتعلّم والطالب يَمْـثُلُ أمام أستاذه كالعبد الخاضع، وقد تغيّرت هذه الحالة في الثقافة الجديدة، إلا أن للمعلّم بالتالي نوعاً من السلطة على الطالب – وبالإمكان أن تستثمروا هذه الحالة.

دور الأجهزة المختلفة في دعم القطاع التربوي

حسناً، إن للقطاعات المختلفة دوراً في هذه المهمة، وبإمكانها أن تساهم في إيجاد هذا المناخ في القطاع التعليمي والتربوي، بغية أن يتمكن المعلم من إنجاز مهامّه بسهولة، وأن يكون وفياً للمضامين الواردة في قسم اليمين هذا وللأصول التي ذكرناها.

–  المعاونية التربوية

من هذه الأجهزة، المعاونية التربوية التي سبق وأن أوصينا بها، وقد انطلقت بحمد الله، وقاموا بتفعيلها وتنشيطها، ولكن هذا ليس كافياً، لأن هذه المعاونية تتحمل مسؤولية أكبر؛ أنشطة دؤوبة، وهادفة، وواعية، وسليمة؛ سواء من الناحية الاعتقادية أو السياسية أو الأخلاقية، هذه من مهام المعاونية التربوية، عليكم مراعاتها. وأي خطأ يُرتَكبُ تجاه أيّ واحدٍ منها – سواء في الاستقامة على مواصلة الطريق الصحيح دينياً أو أخلاقياً أو سياسياً – سوف يسدّد ضربة للتربية والتعليم وضربة لهذا الجيل.

–  مؤسسة الإذاعة والتلفزيون

ومن المؤسسات المسؤولة في هذا المجال هي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي بإمكانها أن تقوم بدورٍ كبير. ولقد طالبتهم في العام الماضي[6]، لكن لم يتم تنفيذ هذه المطالب بالشكل المناسب. فعلى الإذاعة والتلفزيون أن تخصص جانباً من عملها للتربية والتعليم، وعلى المفكّرين والمنظّرين أن يجتمعوا ويخططوا لذلك.

قبل بضعة أيام – ولعله قبل أسبوع[7] – اجتمع في هذه الحسينية عددٌ من التلاميذ الناشئين والشباب، وألقيتُ كلمة على مسامعهم، وقد سلّمني أحدهم رسالة، فوجدتُ أنه يطرح كلاماً منطقياً، حيث كتب فيها بأن هناك في الإذاعة والتلفزيون برامج للأطفال وبرنامج للكبار، ولكن لا توجد فيها برامج لنا نحن شباب الثانوية. فرأيت أنه صدق فيما قال، كلامه صحيح. أيّ برنامجٍ أعددتموه لهذا الشاب يمكنه الانتفاع به معنوياً وفكرياً ودينياً وعلمياً؟ بالطبع هناك برامج علمية تُبثّ في بعض القنوات، ولكنها ليست البرامج التي نقصدها. فلا بد من إعداد البرامج، يجب رفع المستوى الفني والإبداعي لهذه الأعمال. هذه بدورها أحد الأجهزة التي تتحمل مسؤولية في هذا المجال.

–  وزارة الاتصالات؛ وعتاب!!

ومنها وزارة الاتصالات. لقد أصبح هذا الفضاء الافتراضي اليوم أكبر من فضاء حياتنا الحقيقي بأضعاف، بل إنّ البعض أساساً أضحى يتنفّس في هذا الفضاء، وتتحرك حياته فيه. للشباب تواصلهم مع هذا الفضاء وارتباطهم بشتى أقسامه وأنواعه، وببرامجه العلمية، وبشبكته العنكبوتية، وبشبكات تواصله الاجتماعي، وبتبادله للمعلومات وأمثال ذلك. حسناً، هنا يوجد منزلق. لا أحدَ يقول لك: لا تشق طريقاً، فإن كانت هناك منطقة تحتاج إلى طريق، قُم بإنشائه، بل شقّ جادة واسعة أيضاً، لكن كن حذراً! وأجرِ الحسابات الدقيقة في المناطق التي يُحتمل سقوط الأحجار فيها. هذه هي توصيتنا لأجهزة الاتصالات ومجموعة وزارة الاتصالات والمجلس الأعلى للفضاء الافتراضي الذي أوجّه عتابي له أيضاً. نحن لا ندعو إلى إغلاق الطريق، فإن هذا عملٌ غير عاقل. لقد جلس البعض وفكّروا وفتحوا هذا الطريق تحت عنوان الفضاء الافتراضي أو السايبيري على حدّ تعبيرهم، أنتم استخدموا هذا الفضاء، ولكن بشكل صحيح، الآخرون يستفيدون منه بالشكل الصحيح، وبعض البلدان قد أمسكت بزمام هذا الفضاء بناءً على ثقافتها الخاصة؛ فلِـمَ لا نفعل نحن ذلك؟ لماذا لا ننتبه ونركّز  تفكيرنا كما يجب؟ ولماذا نفلت هذا الفضاء غير القابل للسيطرة ونتركه من دون ضبط ولا تحكم؟ الجميع مسؤول ومنهم  وزارة الاتصالات.

وعلى الجميع أن يمدّوا يد العون لمؤسسات التربية والتعليم، فإنها لوحدها لا تستطيع القيام بكل هذه المهام، هؤلاء يجب عليهم العون والمساعدة. وهذا هو الذي أقصده من المساعدة في تأكيدي على ضرورة دعم سائر الأجهزة لقطاع التربية والتعليم، فلا تنصرف الأذهان دوماً إلى المساعدات المالية والمادية، بل هذه هي المساعدات. فعلى الجميع التعاون ليتمكّن جهاز التربية والتعليم حقاً من الوقوف على أقدامه والنهوض بمهمته.

نحو نظامٍ تعليميّ متجدّد منتظم

إن من الأمور التي يجب إنجازها في قطاع التعليم والتربية، هو بثّ روح الفرح والنشاط والحيوية والشبابية لدى المعلم؛ فلا نسمح للمعلم أن يهرم ويشيخ!، ولا أقصد من الشيخوخة مرور سنوات العمر، فإن البعض شبابٌ في أعمارهم ولكن روحياتهم هرمة، والبعض شبابٌ رغم أعمارهم الكبيرة. وإني أعرف معلّماً ما زال يعلّم منذ سبعين عاماً، ولم يتوقف عن عمله. إن هذه ظواهر لها قيمتها، يجب إحياء هذه الروحية في مؤسسات التربية والتعليم.

–  مشروع “التحول البنيوي في التربية والتعليم”

إن نظامنا التعليمي نظامٌ قديم ومهترئ، لقد أخذناه من الأوروبيين، وحافظنا عليه كتحفة أثرية مقدسة في متحف فلا يمسسها شيء! ومع أننا أضفنا عليه وحذفنا منه بعض الجوانب، الاّ أنه نظام قديم ويجب تحديثه وتجديده. حسناً، الآن يوجد لدينا مشروع التحوّل البنيوي الذي أشار إليه السيد الوزير، وهو خطوة في هذا المسير،

إنها خطوة جيّدة، ولكن الذي أقوله هو إنه، في سبيل تحديث النظام التعليمي والتربوي وإعادة بنائه، علينا أن لا ننظر ثانية إلى ما في أيدي غيرنا، لنرى ما الذي فعله البلد الأوروبي الفلاني لنقوم نحن أيضاً بتقليده. كلا أيها السيد! يجب على أصحاب الفكر أن يجتمعوا ويخططوا ويصمموا بأنفسهم نظاماً جديداً حديثاً، وليستفيدوا من التجارب الناجحة. إن مشروع “التحول البنيوي في التربية والتعليم “هذا قد تم إعداده بشكل جيد على ما يبدو، وهو خطوة إلى الأمام، فلينفّذوه بدقة وبنظرة ناقدة، وليبحثوا عن مكامن إشكالاته. لأنّ في كل كتابة غير إلهية وكلّ إنجاز بشري يوجد إشكالات، فلنفتّش عن تلك الإشكالات، ولنستكشف النقائص والعيوب، ولنعدّ نظاماً طاهراً ومنسجماً بشكل جيد.

–       جامعة المعلمين

من الأمور الأخرى التي تتسم بأهمية بالغة في التربية والتعليم، “جامعة المعلمين” التي يدرس فيها شبابنا الأعزاء من الطلاب المعلمين. وهي غاية في الأهمية. فلا بد من الاستثمار في هذه المجموعة بأقصى ما يمكن لتنميتها من الناحيتين الكمية والنوعية، وفق تلك المعايير المتعالية والسامية المطلوبة للمعلم. وقد أشرتُ إلى أنّ أداءكم لليمين هذا كان جيّداً، شريطة أن تعملوا بمضمونه، أن نلتزم حقاً بما نقسم عليه. [لا أن] تُقام دورات تعليمية قصيرة المدى ولكنها لا تعطي النتيجة العملية المطلوبة.

–       المعاهد المهنية والتقنية

من المسائل الهامة في التربية والتعليم، مسألة المعاهد المهنية والتقنية التي أكّدتُ عليها مراراً. فإن أطفالنا يتابعون دراستهم لمدة اثني عشر عاماً حتى يصلوا إلى مرحلة الشباب بهدف الدخول إلى الجامعات، ولكن هل تحتاج جميع المهن والوظائف الموجودة في المجتمع إلى طيّ هذا الطريق والدخول إلى الجامعة؟ بحسب التقارير التي بلغتني، هناك اثنا عشر ألف نوع من الأعمال والمهن، فهل تحتاج كل هذه المهن إلى نفس هذه الدروس واجتياز هذا المسير والدخول إلى الجامعة أم لا؟ يجب أن يكون الهدف هو رفع المهارات وتقوية الكفاءات لشتى المهن ومختلف الاستعدادات. فالبعض خبير بالأعمال الفنية، فإذا كلّفته بعمل في الصناعة لم ينجح فيه، والبعض الآخر على العكس، متفوق في مجال الصناعة، والبعض نخب في المسائل الفكرية والفلسفية، والبعض نخب بالقضايا الاجتماعية، والبعض بالشؤون الخدمية. فلنعمد إلى التفتيش عن المواهب واكتشافها وصقلها وتنميتها، في سبيل أن تنمو وتتمكن من الإنجاز والإبداع. إن كل هذا الإصرار عندنا على الإبداع، حسناً، من الذي يقدر على الإبداع؟ ليس بإمكان كل إنسان عاديّ أن يبدع، وإنما يجب صقل مواهبه وتطويرها ليتمكن من الإبداع في مجال ما.

وللثورة مصطلحاتها؛

هناك نقطة أخرى وهي استخدام الأسماء والعلامات التي تعود إلى عهد الطاغوت، والتي يصرّ البعض عليها، ولا أفهم ما الذي يدعونا إلى أن نستخدم مصطلح “الكشافة”! حسناً، إنه مصطلح كان رائجًا زمن الطاغوت (النظام الشاهنشاهي)، فما الداعي لاستخدامه؟ إن كل واحدة من هذه العبارات والمفردات تحملُ بين طيّاتها معنىً ومفهوماً خاصاً. إن من أكبر إنجازات الجمهورية الإسلامية، هو إبداع مصطلحات تنطوي على مفاهيم معينة، من قبيل: الاستكبار، المستضعفون، نظام الهيمنة، وإلى غير ذلك من المصطلحات التي أخذتها الشعوب الأخرى منا، وأخذتها النخب السياسية، والناشطون والمجاهدون في سائر الشعوب. فما الداعي لاستخدام مفردات عهد الطاغوت؟ إن لدينا على سبيل المثال التعبئة الطلابية، واتحاد الطلاب المتفوقين، أو التجمع الطلابي الإسلامي[8]، والاتحادات الإسلامية الطلابية.. هذه تعابير تعود إلى الجمهورية الإسلامية، فما الضرورة للجوء إلى المصطلحات والأسماء القديمة؟

عليكم النهوض بهذا القطاع

هناك نقطة تخص مدارسنا أيضًا. إن قضية التربية والتعليم وفقاً للدستور، وكما يفهم الإنسان حين يفكر بشكل صحيح، هي قضية حكومية، وهذا طبعاً لا يعني إلقاء كل الأعباء على كاهل الحكومة، ولكن على الحكومة أن تمارس دوراً محورياً في قطاع التربية والتعليم. وأما أن نعمل باستمرار على تبديل المدارس الرسمية إلى مدارس خاصة، فليس معلوماً أن يكون عملاً صحيحاً ناضجاً، علماً بأنّ هذه المدارس تسمى بمدارس أهلية غير نفعية، غير أن البعض منها مدارس نفعية، بما تتقاضاه من أقساط طائلة كما سمعت. الواجب علينا أن نرفع من مستوى المدارس الرسمية ليزداد تعلق الأهالي بها.

لقد مضى وقت كثير، وطال حديثنا، وآخر ما أودّ قوله لكم:

يا أعزائي عليكم أن تبنوا بلدكم، فإنكم أنتم من يجب عليه أن يبنيه؛ أنتم المعلمون من العناصر التي بمقدورها بناء البلاد، فاغتنموا هذه الفرصة، كذلك فرصة طاقاتكم وقدراتكم. لحسن الحظ، فإن ما قد سمعناه وشاهدناه من الوزير المحترم والحمد لله فإنه مورد قبول ورضى من الناحية الفكرية والعملية، فاغتنموا هذه الفرصة. وبالطبع فإن عليه أيضاً أن يسعى جاهداً لأن يختار أفراداً لفريق عمله يتسمون كذلك بالسلامة الفكرية والعملية بحيث يمكن الاعتماد عليهم حقاً في القيام بهذا العمل العظيم.

أهمّ أدوات الاقتدار..

يجب عليكم أنتم أن تقوموا ببناء بلدكم وأن تجعلوه قوياً مقتدراً. وبالطبع إن الاقتدار لا يتلخص في السلاح، إن العلم والشخصية الوطنية، من أهم أدوات القوة والعوامل الصانعة للاقتدار. فإن شخصية الأفراد، والصمود، والهوية الثورية، من العناصر المؤدية للاقتدار. وإن الإيمان والثورة قد منحا لشعبنا القوة والاقتدار. فإن كنتم أقوياء، وشاهد العدوّ قوّتكم، سيُرغم على التراجع، وإذا تجنّبنا إظهار عوامل وعناصر اقتدارنا أمام العدو، وأعرضنا عن ذلك، لخوفٍ أو مجاملةٍ، سيصبح العدوّ أكثر وقاحة وجرأة.

ماذا تفعلون في الخليج الفارسي؟

حين ترون اليوم الأعداء وقد راحوا يتفوّهون بكلماتٍ أكبر من أفواههم، وهذا ما يستطيع الشعب الإيراني الردّ عليه. حيث يجتمعون ويخططون لئلا تقيم إيران مناوراتٍ عسكريةً في الخليج الفارسي، يا لها من حماقات عجيبة غريبة! يأتون من أقصى أرجاء العالم لإجراء مناوراتٍ في هذه المنطقة؛ ماذا تفعلون هنا؟ اذهبوا إلى خليج الخنازير[9] أو إلى أيّ منطقة أخرى وأقيموا المناورات فيها. ماذا تفعلون في الخليج الفارسي؟ الخليج الفارسي هو بيتنا، وهو محلّ حضور الشعب الإيراني الكبير، وساحل الخليج الفارسي، إلى جانب سواحل كبيرة من بحر عمان هي لهذا الشعب، ولا بد أن يكون له فيها وجوده ومناوراته واستعراضه للقدرات. نحن شعبٌ له تاريخه واقتداره، رغم أنّ بعض السلاطين الضعفاء التعساء فرضوا علينا التخلّف لبضعة أيام وصباحات، ورشّوا على هذا البلد غبار الموت، ثم ذهبوا ودُفنوا في القبور. إن الشعب شعبٌ واعٍ بصير وعظيم، فهل يسمح بذلك؟ هكذا يجب مواجهة هذه القوى الطامعة والمهيمنة المتسلطة.

ولقد قلتُ بأنهم هُزموا أمامنا بالتأكيد، دليل هزيمتهم واضح جداً، فإنهم كانوا يهدفون إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية، والجمهورية الإسلامية لا أنها لم تسقط وحسب، بل ازدادت عشرات الأضعاف قوة ومنعة عما كانت عليه في بادئ الأمر، وهذه هزيمة لهم. ولقد علّمنا القرآن قائلاً: ﴿تُرهِبونَ بِه‌ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّکُم﴾[10]؛ أعِدّوا أنفسكم وجهّزوها بالطريقة التي ترهبون وترعبون بها عدو الله وعدوكم. وليس المراد من العدو، تلك الدولة الجارة، أو ذلك المنافس، أو ذلك البلد الذي لا يعادينا، وإنما العدو هو الذي ينصب لنا العِداء، وهو معروف لدى الجميع.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم ويوفقنا لمواصلة ذلك الطريق المؤدي الى مرضاة الله، وأن يكون مستقبل هذا البلد بفضل وجودكم النوراني الحيوي العزيز أيها الشباب، مستقبلاً مفعماً بالسعادة لجميع أبناء الشعب.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

[1]  في بداية اللقاء أدى طلاب جامعة المعلمين قسم المعلم في محضر سماحة الإمام القائد؛ ثم قدم علي أصغر فاني وزير التربية والتعليم تقريراً

[2]  إقبال‌ الأعمال، ج ۱، ص ۱۲۳.

[3] – أو مفاهيم محرّكة, مفعّلة,.. ريادية.

[4]  – خطابه في لقاء العمال 27-4-2016

[5]  – سورة الفتح، جزء من الآية 29

[6] – كلمته في لقاء رئيس ومسؤولي هيئة الاذاعة والتلفزيون وجمع من العاملين فيها 12/ت1/2015

[7]  كلمته في لقاء الاتحادات الطلابية 20/4/2016.

[8] – أو الجامعة الطلابية الإسلامية

[9]  علا ضحك الحضور.

[10]  سورة الأنفال، جزء من الآية 60.

 

 

 

 

المصدر: خاص

البث المباشر